"واتساب" وبرامج المحادثة!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"إن رهافة البنيان النفسي تشجع في المرء أحياناً بعض الميل إلى أفكار عجيبة، فعلى قدر نمو النفس يكون الاستسلام إلى جموح الخيال" - فيودور دوستويفسكي (روائي روسي)

بعض الأمور تستشف أنها  أرزاق لا أكثر؛ إذ بوجود مئات بل آلاف تطبيقات المحادثة والرسائل الإلكترونية، لا يزال واتساب على القمة في منطقتنا على الأقل، لأن تطبيق فيسبوك عالميا أعتقد هو الأعلى رقما بالمشتركين، وبالطبع على القمة ليس لأنه الأفضل إنما هي حظ ولا أعتقد غير ذلك، ومن يلاحظ البرامج الأخرى المشابهة يجد أنها تقريبا تشترك بنفس المواصفات والميزات، لكن شعبية واتساب فاقت كل هذه البرامج.

تعاملتُ كغيري مع أكثر من برنامج بنفس صفات الواتساب، بل بميزات أفضل، لكن لم تلقَ الرواج كما يلاقيه واتساب، أعتقد أنَّ الأمر يتعلق بالنفسية، حتى العلامات التجارية بأنواعها يتحكم في انتشارها العامل النفسي، أي رغبة الإنسان. يقول الفيلسوف جون ديوي: إن أعمق دافع في طبيعة الإنسان هو الرغبة في أن يكون مهماً، بغض النظر عن جودة الماركة (العلامة التجارية) أو عدمها، لكن مجرد شراء ماركة بمبلغ ليس بالمعقول قد يكون فيه تفاعل نفسي باتجاه الوجاهة وتقمُّص دور الإنسان المهم.. هذا الأمر موجود بمختلف الماركات من سيارات إلى أزرار القمصان، عندما تشتري سيارة بقيمة تساوي قيمة أرض لا تحدثني عن الحاجة، بل عن حب التميز والوجاهة.. هل هناك أمر غير ذلك؟

قد تقول وأنت تقرأ السطور السابقة بأن الكاتب خرج أو شطح عن الفكرة الرئيسية للمقال، والحقيقة لم أخرج بل ما زلت في سياق الفكرة، إنما أردت فتح وجهة جديدة للقارئ حتى يكون الفهم أيسر، والفكرة أسهل.

نعُود للواتساب الذي أعتقد أن استحواذه على العدد الكبير من المشتركين ناتج عن أنه أصبح الوسيلة الرئيسية للتواصل، حتى البنوك وبعض المؤسسات الحكومية والخاصة أصبحت تضع رقما للواتساب للتواصل معها، السؤال: لماذا لم تضع رقما في برنامج فايبر أو تليجرام أو إيمو أو لاين أو حتى سيجنال؟ لأن الواتساب تقريبا أصبح البرنامج الذي لا يخلو جهاز هاتف منه!

الواتساب أجرى عدة تحديثات منها التشفير، والحقيقة أنا شخصيا لست مقتنعا بمصداقية هذه الميزة المعلنة، ليس تخوينا وتكذيبا لشركة واتساب، إنما لأننا تعودنا أن تشفير البيانات ليس أمرا دقيقا؛ إذ باستطاعته تعرية كل مستخدم، وتجده في حالة الحاجة يحسب حتى أنفاس المستخدم، لذلك قد يكون هناك تشفير حقيقي لكنه ليس بالشكل المعلن، هنا أتحدث عن منطقيات وليس معلومات!

أما بالنسبة لمجموعات الواتساب أو ما يسمى بـ"الجروبات/القروبات"، فهي مهمة جدا ومفيدة لتسهيل التواصل الدائم أو المؤقت كمجموعات عمل يربطها "الجروب" ويسهل التواصل، وكذلك العلاقات الأسرية بين العائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة، وكذلك مجموعات الأصدقاء أو أهل الهواية الواحدة أو أهل المنطقة، وهي من أجمل وأفيد ميزات البرنامج، لكن لأنَّ الكمال لله، فهناك من يتعدى الخصوصية ويدخلك في "جروب" دون استئذان، لا شك التعامل مع هذا التصرف غير المؤدب ببساطة، يتمثل في مغادرة المجموعة فورا.

أما حالات الواتساب، فهي وكأنها تنقل يوميات أصحاب الأرقام المخزنة، وهي ميزة ثرية وفيها تفاعلات إنسانية محببة، كذلك يستخدمها الكثير كبطاقة دعوة للمناسبات كما لاحظت.

بالطبع.. أنا أفكِّر في تغيير البرنامج أو على الأقل تجميده وعدم التفاعل معه، وأتعامل مع برنامج بديل حتى لا يكون لصيقا معي دائما، الحرية في التنقل بين البرامج مكفولة والأمر لا يتعدى ضغطة زر وبالمجان.. إذن لماذا أربط نفسي مع برنامج قد يمارس تقييدا معينا ضد ما أرغب؟ مثلما حدث عندما ثارت الضجة بسبب إجراءات واتساب وسياسة جديدة من شأنها أن تشارك البيانات مع الشركة الأم "فيسبوك". وأكد ممثلو التطبيق أن هناك "سوء فهم" وتم تأجيل الإجراء المزمع اتخاذه بعد شهور قليلة. وبغض النظر عن فائدة أو ضرر الإجراء الجديد على المشتركين، إلا أنه منطقي؛ فما أعلن عنه هو من صلاحيات الشركة، ولا غبار حول ذلك، لكني أنا المتلقي أليس لدي أيضا صلاحيات منطقية؟

إنْ قدر الله وتمَّ الإجراء سأتعامل على قاعدة: لكم برنامجكم ولنا برنامجنا، وأهلا وسهلا باختيارات متعددة بين أفضل برامج التواصل الاجتماعي.