جلسة على مدرجات القانون والتاريخ!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الحرية هي الحق في أن تعمل ما يبيحه القانون" - مونتسكيو

 

في تدرُّجات التاريخ وخطوطه الزمنية، ومساراته وحُقبه المتنوعة، ثمة أنظمة حكم عديدة مارست الحكم بالشكل الخطأ، عندما تركز على المهم، وتجاهلت الأهم؛ فالمهمة الحقيقية لأي حكومة مستقلة ذات كفاءة وقرار، هو القيام بالجهود اللازمة لأمن البلاد والعباد، وتوفير الأمن والحماية والرعاية الطبية والتعليم الجيد والأمن الاقتصادي وتيسير حركة الأسواق البيع والشراء والأمن الغذائي، وتقديم أفضل الحلول التنموية في إدارة البلاد، ولا تشغل نفسها وليس قطعا من مهماتها التدخل في قرارات مثيرة للجدل لا تقدم ولا تؤخر للرصيد التاريخي المطلوب منها؛ لأن المواطن ينظر لحكومته نظرة ثقة منزَّهة عن أية تبعات تُشكِّك بأخلاقياتها في ممارساتها ومقتضيات أعمالها؛ فالحكومة هي الملاذُ الآمن الحقيقي لأي بلد؛ فهي من يملك جل القرارات المتحكمة بالبلاد والعباد؛ وأهمها قرارات تسهيل الحياة أو أخيرا وليس آخرا قرارات الحرب والسلام.

وكل حقبة تاريخية لها مآلاتها وأنظمتها التي عرفت بها، وإن تبحَّثنا في تاريخ الإدارة البشرية الحاكمة، فلن نتعدَّى أقدم حِزمة قوانين أو تشريعات حكم بها الإنسان؛ حيث شريعة حمورابي التي أنتجت أحد أبرز وأقدم القوانين في التاريخ البشري.

تضمُّ التشريعات 282 قانوناً في كافّة جوانب الحياة: السياسية والاجتماعية والعسكرية، وتُعتبر أشمل مجموعة قوانين حكم بها الإنسان قبل أن تسجل كأولى القوانين لما أصدرها الملك البابلي حمورابي، وقد حفرت هذه القوانين على مسلَّة عُثِر عليها في العام 1901م. وتوجد حاليا في العاصمة الألمانية برلين.

ثمَّة ملاحظة مهمة؛ وهي أنَّ شريعة حمورابي اشتهرت بأنها أقدم شريعة بالتاريخ كونها فيما قبل الميلاد، إلا أنَّ هناك من المصادر التاريخية ما يدحَض هذا الاعتقاد؛ إذ إنَّه عُثر على مجموعة قوانين تنظم وتضع قوانين: للسلوك من حضارات الشرق الأوسط الأقدم، وضعت من قبل الحاكم السومري أورنامو من مدينة أور، تعود إلى القرن الواحد والعشرين (ق.م)، كما تظهر الأدلة أيضاً أن قانون ليبيت عشتار السومري من مدينة إيسين قد نُصّ منذ حوالي قرنين قبل صعود حمورابي إلى السلطة. ومن اللافت للنظر أن الشريعتين تتشابهان إلى حد بعيد مع وصايا حمورابي في الأسلوب والمضمون (1).

ثمَّ سارت مسارات التاريخ إلى أن وصل الأمر إلى الرسالة المحمدية التي نشرت دين الإسلام وكتاب الله القرآن الكريم، الذي يعد دستورا للمسلمين مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

والشريعة الإسلامية أصبح لها مدارس وجامعات ولها تخصصات، حتى في عدد من الدول توجد جامعات لا تُدرِّس سوى الشريعة الأسلامية وتخصصاتها المختلفة، وبجامعات أخرى هناك كليات للدراسات الإسلامية وكذلك معاهد متخصصة لغنى الشريعة واستيعابها تخصصات عديدة كالتفسير والحديث والفقه...وغيرها من التخصصات ذات الشأن. حتى بقية الأديان والمعتقدات الدينية لها معاهد وكليات وأقسام متخصصة، وكل له دراسته وأبحاثه.

الآن.. أصبحت هناك جامعات ومعاهد أكاديمية لدراسة القانون في شتى دول العالم، ولا تكاد تخلو جامعة من كلية للحقوق، وتعدَّدت الدساتير والقوانين المنبثقة منها، وهذا ديدنُ الزمن وهذه مُتغيراته لا تبقى على حال، ومع كل تطور بشري في مجالات العلم والتكنولوجيا تظهر قوانين جديدة وكمثال عندنا في الكويت قوانين الجرائم الإلكترونية، وهي التي تتعلق بالممارسات غير القانونية في استخدام التكنولوجيا (مواقع إلكترونية/وسائل التواصل الاجتماعي).

حتى علم الاجتماع بَحَث طويلًا في ظاهرة الشرائع والقوانين المنبثقة؛ من حيث علاقة الأفراد بالأفراد وعلاقة الفرد بالبيئة المحيطة، وتناول كبار علماء الاجتماع عبر نظريات اجتماعية وحتى بالاجتماع السياسي علاقة الفرد بالكل والكل بالفرد، من خلال صياغات مختلفة تُمثل فكرَ الباحث ونظرته للموضوع المطروح؛ لذلك أعتقد أنَّ القوانين هي تأسيس لعلاقة بين الفرد ورغباته ونزواته؛ حيث تنظم الشرائع حقيقة وإمكانية تطبيق الرغبة أو النزوة من عدمها، حتى نصل إلى قاعدة: تنتهي حُريتك عندما تصطدم بحريات الآخرين.

لذلك؛ الأطر المنظمة مهمة لتعريف علاقة الفرد بالآخر وبمجتمعه وعالمه الداخلي والخارجي، تخيَّل أننا بلا قوانين ما الذي سيحدث؟

فوضى وانعدام أمن وأمان، وحتى الحرية الشخصية ستتقيَّد وفق منظومات أخلاقية غير مكتوبة، هل تتذكر حال العرب قبل الإسلام، حيث لا قوانين ولا شريعة ولا دين، تحكمهم الشيم والأخلاق، لذلك اشتهرت قصص الوفاء والكرم والشجاعة والرحمة، ولشواهد كثيرة امتلأت بها كتب التاريخ، لكن عندما أتت الشريعة نظمت العلاقة بتأسيس حزمة من التوصيات الجازمة بحد الثواب والعقاب، والحلال والحرام، والجنة والنار.

________

1- موقع  "الباحثون السوريون"، مقال: "ثمان حقائق لا تعرفها عن قانون حمورابي" بقلم: رامي لسه/ هنادي طميح، نشر في 20 أكتوبر 2017م.

الأكثر قراءة