إنشاء مراكز بحوث ودراسات الرأي العام

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

بعد مُضي خمسين عاما على النهضة المباركة لسلطنتنا الحبيبة، أصبحَ من الضروري بمكان الاهتمام بإنشاء مراكز خاصة للبحوث والدراسات المتعلقة بالرأي العام، بدل البالونات التي تُطلق بين فينة وأخرى، وتنتشر بين أوساط الرأي العام لمعرفة رد فعل المجتمع تجاه قرارات بعينها أو خطط تتعلق ببعض القطاعات، وهذه البالونات غير المدروسة تجعل المجتمع منقسمًا بين عدة اتجاهات وتوجُّهات، وتخلق بلبلةً غير محمودة وقلقا وأرضية خصبة للشائعات.

والرأي العام علمٌ يدرس، وله قوانينه ونظرياته وفلسفته الخاصة التي تتطلب من الحكومات النظر إليه بأهمية كبيرة، فهو وجهةُ نظر أغلبية من الجمهور تجاه قضية معينة في وقت معين وتاريخ محدد ويتم تداولها ومناقشتها بين أبناء المجتمع، وفي تعريف دقيق هو مجموعة من آراء الأفراد حول قضية ما تمس المصالح العامة، وغالباً ما يكون لهذه الآراء تأثيرها على سلوك الأفراد والجماعات وسياسة الحكومات، ويُقال أصبح الموضوع الفلاني موضوعَ "رأي عام" بمعنى أن الأوساط المجتمعية أصبحت تتحدَّث عنه وينتشر بينها، وقد شبَّه أحدهم الرأي العام بسفينة شراعية تم بناؤها من آلاف الأشخاص، ولا يستطيع واحدٌ بعينه القيام ببنائها لوحده وتسير هذه السفينة حسب اتجاه الريح أو حسب دفع الموج، والموج هو القضية المحركة، ويقود السفينة قادة (أشبه بقادة الرأي)، وليس بالضرورة أن يجتمع الجميع على رأي معين حول قضية ما أو أمر معين حتى يتشكل الرأي العام، وإنما يعتمد على الأغلبية التي تؤيد أو تعارض هذه القضية أو تلك.

ومن هنا، فإنَّ وجود مراكز أبحاث ودراسات تهتم بدراسة الرأي العام العماني من النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية والرياضية..وغيرها، أصبح ضرورة مُلحة؛ فهناك العديد من المراكز البحثية التي تهتم بالبيئة واللغات والتكنولوجيا والنانو والثورة الصناعية الرابعة...وغيرها من المراكز البحثية المتنوعة، ولكن لا يُوجد مركز متخصص في السلطنة لدراسة الرأي العام، ووجود مثل هذه المراكز سوف يخدم الحكومة كثيرا في تحديث سياسياتها وقراراتها، وستعمل على تهيئة الرأي العام العماني لتحقيق الأهداف التي تضعها المؤسسات إلى جانب وسائل الإعلام، بدلًا من أن يتشكل هذا الرأي من خلال التجمعات القبلية ووسائل التواصل والمجالس العامة والمنتديات والمقاهي والأسواق...وغيرها، والتي معها تنتشر الشائعات وتكثر التأويلات والأفكار السامة أحيانا.

ويُتيح وجود مراكز متخصصة لدراسة الرأي العام تحرُّر الشعب من خشية التعبير عن رأيه، فيما يعد دليلا على التخلف والرجعية والتمسك بالتقاليد البالية وتحكم الفكر الأمني فقط على حرية البشر، والتي ولله الحمد قلَّت وضعُفت معنا في السلطنة؛ حيث يستطيع كل شخص إبداء رأيه بحرية وشفافية وصدق، شرط الالتزام بالقوانين والأنظمة. هذا الأمر سوف يخلق تشاركية واقعية وفعلية بين ما تخطط له الحكومة وما يفكر فيه الشعب، ليكون هناك تناغم وتمازج وديناميكية بين طرفي العملية التنموية، وسيكون دور هذه المراكز بلورة ودراسة وتحليل ردود أفعال المجتمع تجاه مختلف القضايا لتشكيل رأي يخدم التوجهات المستقبلية والخطط التي يرسمها القادة في مختلف المؤسسات، ومع وجود الإنترنت أصبح الأمر سهلا جدا؛ حيث يُسهم في سرعة انتشار هذه البحوث ومعرفة ردود الفعل بسرعة كبيرة؛ وبالتالي معرفة الفعل ورد الفعل تكون حاضرة في ظرف ساعات فقط، وعليه سوف تقدم وجبات دسمة لأصحاب القرار لاتخاذ ما يناسب.

ومع التطور الكبير الذي شهده العالم في مجالات البحوث المختلفة وما شهده المجتمع العماني على كافة المستويات الثقافية والعلمية والفكرية والاتصالاتية من تقدم، وتمسك الشعب بالقيم العظيمة مثل التسامح وحب الآخر والتعايش مع كل التوجهات فكريا، أرى من الضرورة على الحكومة وبصورة عاجلة النظر بأهمية كبيرة لدراسة توجُّهات وتطلعات الرأي العام العماني؛ من خلال إنشاء مراكز أبحاث ودراسات متخصصة في هذا الجانب، تخدُم العملية التقدمية التي تشهدها السلطنة... ودمتم ودامت عُمان بخير.