يحملُ أسفارًا!

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

هل أنت حِمار أو تستحمر أو يَسهُل اِستحمارك؟

على ظهر غيمة كنت أسبح وأراقب عالمٍ اكتظ بأطياف وأجناس كُثر، وعندها برز أمامي صنف طريف وعجيب، فهممت أن ارتدي ثوب الوعظ وأضع لحية بيضاء مُستعارة على ذقني وألبس قُبعة مخروطية الشكل على رأسي،  وأن أقوم بدور الشمق مق،  نعم الشمق مق!  وأن يكون اسمي "هايص لايص".

شرعت أفتش في مندوسي المذهب أبحث عن ريشة لأكتب بها استنتاجاتي العبقرية. فوقعت على ريشة العُقاب، نعم إنها الأفضل بين كل أنواع الريش، هيا لأشمر السواعد وأخط ما بلورته وأضعه في نظرية كونية جديدة.

حسناً سأعترف لا أعلم إذا كانت جديدة صِرفْه أو أنها قد خطرت لأحدهم قبل أن أفكر بها، ولكن أنا الشمق مق هايص لايص سأخطها بريشة العقاب، فانتبهوا وعوا.

الحِمار من حمل على ظهره الأثقال والحُمولة ووقع في فخ الرجولة وأعتقد أنه أدهم أصيل وأنتهى به الأمر يعيل ويقيل وينام النهار عليلا، وهذا أمره مُنتهِ فهو حمار غير قابل للتبديل فعليكم بمراعاته ومداهنته والرأفة به.

أما المُستحمر فهو يتمتعُ بالدهاء، ويميل إلى الثناء، ويكيل المدح، فهذا أسلوبه في الإغواء. ويحب المستحمرون ارتداء ثياب بيضاء قد يدنسها بقع الكدر، ويرفل بثوب طُرز بالنفاق وأطنانٌ من حسن الكلام والثناء، وهم مُعمرون منذ القدم، على الأرض مستقرون ويمرحون ويلعبون.

فماذا جنت بلقيس وما كسبته سبأ من كيل مدح في غير موضوعه ونفاق طَرز أثواباً للكبرياء والعزة دنسها بوقاحة العادة، وطوق رفاتهما بأبهى إشادة. وفي عوالم يتشدق الأحمق فيها، ويزهو بأفضل العبارات والجمل، ويصفق من حوله بدهاء ومكر الثعالب، فيرج قنينةٍ الهوى المجروحة، فينساب ماؤها تحت قدميك، فتطلق آهةٍ طويلة ملتهبة، كُنت تحسب أنك تطويها في خلجات، آهٍ لقد كنت مُستحمراً من قبيل الحمير، فهل كان يسهل استحماري؟

جميع البشر قد مروا عبر بوابه الاستحمار الألماسية الكبرى، ولكن أن تستمر بأن تركض وتقفز وتهرول في نفس المضمار فهذه معضلة. أن تستمتع وتستلذ بحمرنتك فهذا مرض لا يشفيه قُرص بندول، ولا يُذهبه صدمة كهربائية بمقياس مئتين فولت.

من الطريف أن اكتشف بعد السنين أنني كُنت ممن يسهل استحماره في يوم ما، بالطبع لقد استمتعت بالأمر لبرهة من الزمن، ولكن حين فقدت بعضاً من المنطق وبعضاً من حقي في الاختيار شعرت بالألم، كان أشبه بطرق رأسي بجدار اسمنتي سميك مع فقدان حاسة الشعور بالتوجع. وحينها فقط قبلت كل التُرهات المنمقة وكل الألوان الزيتية التي ضربت وجهي دون توقف أو الشعور بالقرف فغشت الغشاوة على بصيرتي وأصبحت عادة استمتع بها.

وقد حدث أن وقعت أنا الشمق مق هايص لايص في حفرة عميقة ومظلمة، لأني تجاهلت العقبات ولم أتحاشها فوقعت في الفخ الذي حفرته بيدي، وطوقني السواد وجف ريقي ورجف صوتي المبحوح من الصريخ وطلب الغوث، وتناهى اليّ صوت أحدهم قائلاً بقهقهة هل أنت حِمار لم تُبصر الحفرة؟

سمعت وقع خطوات المجهول تبتعد عني وعن الحفرة فسقطت حصى على جبهتي أراقت دمي  وزفرت آهةٍ محترقة، آآآه لقد سَهُل استحماري.

رمادٌ كان يجَفَل عيناي ويغشي البصر أعجبني الثناء وأطنان المدح وسكب العبارات وإغراقي بها والآن وفي هذه الحفرة المظلمة والدم منساب بدفء على جبهتي أسأل نفسي هل كنت حِمارا أم مُستحمرا أم يسهل استحماري؟!