حاتم الطائي
◄ تواصل المسؤولين مع المجتمع استجابة للتوجيهات السامية
◄ الشفافية عنوان الحكومة في التعاطي مع مختلف الأزمات والملفات
◄ النقد البنّاء يعزز من مسيرة التقدم.. والتجريح الشخصي حياد عن جادة الصواب
مسيرة التقدُّم في نهضة أي أمة ترتكز في جوهرها على مُحدِّدات لا تُخطئها العين، ولا تَحِيد عنها الرؤية الصائبة؛ فالتقدم لا يتأتَّى بالأحاديث الرنانة والكلمات المجلجلة، بل من خلال العمل المخلص الصادق، والنية الصافية لخدمة الوطن ودعم تقدمه وتطوره. وخلال الأيام القليلة الماضية، برهنت حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على أنَّ مسيرة النهضة المتجدِّدة ماضية في طريقها نحو مرافئ المجد والعلا، بفضل الأداء الحكومي الذي لم نَعهده من قبل، بل أبهرنا جميعا وصفَّقنا له رغم بعض الملاحظات الصغيرة، التي يُمكن أن نضعها في إطار موضوعي محايد.
الرَّكيزة الأولى التي تستندُ إليها الحكومة في تواصلها مع المواطنين، هي ركيزة الشفافية؛ فخلال أيام قليلة تحدَّث 3 وزراء علنًا إلى المجتمع بكل صراحة وشفافية، كَشَفوا عن جميع خططهم والتحديات التي يواجهونها، والعراقيل التي يسعون لإزاحتها بعيدًا عن طريق التقدم، علاوة على الاعتراف ببعض نقاط الضعف في وزاراتهم أو المؤسسات التي يشرفون عليها. ونهج الشفافية في أول حكومة بالعهد السعيد، نشأ بفضل التوجيهات السامية من لدن جلالة السلطان لكافة الوزراء بأهمية التواصل مع المجتمع، وشرح آليات العمل ونقل طبيعة التحديات التي تمرُّ بها الدولة في الوقت الراهن، لكي يكون كل مواطن ومواطنة على بيِّنة من أمر وطنه، وألا يقع فريسة لوسائل التواصل الاجتماعي، وما تعجُّ به من سلبيات لا تستند إلى أي أساس من الصحة.
اللقاء الأول كان لمعالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة، الذي كَشَف أمام مجلس الشورى كل ما يسعى المجتمع لمعرفته حول وزارة الصحة، خاصة وأنَّ هذه الوزارة تتصدر المشهد منذ شهور، بعدما تفشَّت جائحة كورونا. وزير الصحة لم يُخفِ شيئا، بل تحدث صراحة وردَّ على الجميع، وأوضح بالأرقام حقيقة الوضع الوبائي في بلادنا، وعرَّج على الحديث عن الوضع العالمي الذي لا يخفى على أحد، كما كشف عن خطط الوزارة المستقبلية، وما تنوي تنفيذه من مشروعات صحية خلال المرحلة المقبلة، ومنها بناء عدد من المستشفيات ومراكز التأهيل؛ سواء في مسقط أو خارجها. لكن ما أود التركيز عليه في هذا الجانب، أن المجتمع بات يملك المعرفة الكاملة إزاء ما يحدث من حوله في وطنه، ويقوم بذلك نيابة عن إمَّا مُمثلي الشعب داخل مجلس الشورى، أو عبر وسائل الإعلام التي تنقل للمسؤولين -وتنقل عنهم أيضا- مختلف التفاصيل ذات الصلة بالقضايا الوطنية.
أيضًا كان المؤتمر الصَّحفي لمعالي الدكتور خلفان الشعيلي وزير الإسكان والتخطيط العمراني، بمثابة حدث استثنائي؛ إذ إنَّه وللمرة الأولى ينعقد مؤتمر صحفي يتعلق بوزارة الإسكان، رغم أنها الوزارة الخدمية الأولى في الحكومة، لكنَّ نهج الشفافية مكَّن المجتمع من التعرف لأول مرة على سياسات الوزارة المستقبلية وخططها الرامية لتوفير السكن لجموع أبناء هذا الوطن، بل إنَّ الوزير التزم الأمانة في الطرح والصدق في الحديث، فكان اعترافه في غير موضع بما تواجِهه الوزارة من تحديات، فضلا عن العديد من العبارات التشخيصية لما يُواجهه قطاع الإسكان والتخطيط العمراني من تحديات، دفعتْ الوزير للقول صراحة بأنَّ غياب الانسجام بين التخطيط العمراني والتنموي من أبرز التحديات. كما أنَّه ولأول مرة في تاريخ السلطنة، يتحدث وزير في الحكومة عن إنجازات أول 100 يوم في المكتب الوزاري؛ إيمانًا منه بالشفافية والمحاسبة الذاتية قبل المحاسبة المجتمعية أو الرسمية؛ فقدم لنا الدكتور الشعيلي عرضا مميزا شفافًا، أبرز فيه إخفاقات الوزارة ونجاحاتها أيضا، وخطة الوزارة للتواصل مع الجمهور وتنفيذ منظومة الخدمات الإلكترونية، وعدد الأراضي المقرر توفيرها خلال العام الجاري، بل إنَّ الوزارة أطلقت مؤشرا جديدا لضمان سرعة إنجاز المعاملات الحكومية؛ مما يعني تطبيق مبدأ المساءلة، وهو الأمر الذي أشار إليه جلالة السلطان المعظم في الخطاب السامي في فبراير 2020. ولأنَّ وزير الإسكان والتخطيط العمراني أعلنها صراحة بأنَّ عام 2021 سيكون عام الشفافية، فأرى أنَّ النقطة الأكثر شفافية التي طرحها الوزير في المؤتمر الصحفي تمثَّلت في انتقاده للتوزيع العشوائي للأراضي، والذي يتسبب في هدر الموارد المالية للدولة والمواطن على حد سواء.
أمَّا النموذج الثالث في نهج الشفافية، فقدمه معالي الأستاذ الدكتور محاد باعوين وزير العمل، خلال المؤتمر الصحفي لوزارة العمل، الذي كشف النقاب فيه عن طرح 32267 فرصة وظيفية للباحثين عن عمل خلال العام الجاري، فضلا عن انخراط 6 آلاف باحث عن عمل في برامج التدريب المقرونة بالتشغيل، والعمل على تعزيز مهارات 10 آلاف باحث عن عمل من خلال برنامج "خبرات". الشفافية التي انتهجها وزير العمل ووكيلا العمل، انطلقت من الاعتراف بالتحدي المتمثل في قضية الباحثين عن عمل، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية، والضغوط التي تتعرض لها الاقتصادات في ظل جائحة كورونا، والانكماش الاقتصادي.
المؤتمر الصحفي لوزير العمل، كشف عن حجم الطموح الذي يتحلَّى به القائمون على وزارة العمل، ورغبتهم الصادقة في توظيف الشباب؛ من خلال إعادة تعريف العمل، وما الذي يتعيَّن على كل شاب القيام به من أجل الحصول على فرصة وظيفية يشقُّ بها طريقه نحو المستقبل. ولا شك أنَّ ما تم عرضه من خطط مستقبلية على المدى القصير ستحقِّق نتائج باهرة في جهود توظيف أبنائنا وبناتنا في القطاعين العام والخاص. كما أنَّ ما أُعلن عنه من أرقام ورسوم رآها البعض "مبالغ فيها"، لا شك أنَّها ستكون محل إعادة نظر إذا أضرت بسوق العمل وجهود تمكين القطاع الخاص، خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فالهدف ليس تكبيل القطاع عن أداء مهامه، بل دعمه وتحفيزه، بما يخدم الاقتصاد الوطني ويدعم مسيرة النماء.
الركيزة الثانية التي أود الإشارة إليها، تتمثل في التواصل مع المجتمع؛ فهذه المؤتمرات الصحفية، وأي لقاء لأي مسؤول -سواء كان في مجلس الشورى أو عبر صفحات الجرائد اليومية وشاشات التليفزيون أو أثير الإذاعة- هي في الأساس تواصل مع المجتمع، وتفاعل مع الطرح المجتمعي تجاه القضايا العامة. ولقد تحلى المسؤولون بالشجاعة الكافية لمواجهة أسئلة الصحفيين والإعلاميين ومداخلات أعضاء مجلس الشورى ومُشاكساتهم!
ركيزة ثالثة وأخيرة ذات صلة بالركيزة الثانية، وهي قضية التعامل مع السلبيات؛ فلا شك أن العمل العام له ضريبة، وضريبته ربما تتمثل في النقد غير البناء من قبل البعض، أو الهجوم غير المبرر على شخص المسؤول وعائلته دون التطرق لحقيقة المشكلات في الوزارة أو المؤسسة الحكومية، وهنا نُعيد الحديث عن جانب لطالما تطرقنا إليه وهو سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ إنَّها تتيح المجال أمام البعض للذهاب بعيدا عن الهدف الأسمى وهو التواصل والنقد البناء، وليس التجريح والسخرية من كلمة هنا أو لفظة هناك، مما يُهدر الجهود ويصرف الأنظار على القضايا الكبرى، ويُسقطنا في براثن الخلافات الهامشية التي لن تجدي نفعا.
وأخيرا.. إنَّ نموذج الشفافية الذي عايشه المجتمع خلال الأيام القليلة الماضية، ليَنُم عن حكومة جادة تعمل من أجل راحة المواطن، وتوفير سبل العيش الكريم له؛ لذا على المواطن أن يُدرك ذلك جيدا، وأن يركز جُل اهتمامه على دعم المسيرة؛ من خلال النقد البناء، وطرح الحلول والمقترحات التي تُسهم في حل الأزمات وتذليل التحديات، لكي يتواصل السير بخطى واثقة نحو المستقبل المنشود.