أنا مجنون!!

 

عائض الأحمد

من يظن بأن الجنون هو فقدان العقل فهو يظلم من يحلم ومن يرى الأشياء بطريقته وعلى ذائقته.

 

ومن يظن بأن الكل سواء فهو يعيش حالته المرضية منفردا في وسط مجموعة مجانين رسميين بشهادات اعتماد صادرة عن أوهام وأضغاث أحلام تَرَاءى له وحده لا أحد سواه ثم يصورها بعدسة جنونه ويسوقها للحالمين أمثاله دون أن يكترث بمن صدقه أو تهكم عليه فهو يتقمص أو كاد أن ينفصل بروحه وعقله عن محيطه ولعله بذلك كسب الاثنين معاً فقد تحرر من سلطان العقل وجنح إلى سلطان الروح وتمسك بأمل الحياة دون منغصات أو لماذا ولمن وكيف؟

ليس عليه حرج فقد زال حرجه وكسب حريته وتمزقت دساتير قانونه وضع كفه على نعشه فتطايرت وتمزق معها جده وغلب هزله على قسوة واقعه، فجعل منه أضحوكته حينما ظل يحلم منفصلا غير آبه بتلك التفاصيل وتلك القيود التي أدمته وحجمت قدراته وجعلته ينتفض أين كنت من هذا؟

 

"العابرون" ليس لهم عنوان ولن يطول بهم المقام تعددت أحوالهم وتكاثرت شكواهم، تارة بألم وغالبا بحنق أو كان علينا أن نخلق بهذا الشتات؟

نظل متسائلين من نحن وإلى أين وأي مصير نرجوه؟

 ونحن نقف مكتوفي الأيدي ننتظر كل هؤلاء ليقول أحدهم يحق لكم ويظهر آخر ينكر عليكم، وكأن أجسادهم ملكاً لفئة وأرواحهم رهن إشارته، فماذا فعل الأكثر صراخاً بهؤلاء "العابرون" حينما انتهكت أحلامهم وصغرت "واستتفهت" آراءهم

 ثم شهر بهم، وكأنها  صفحات طواها العجب واتخذت عليهم ولم تكن لهم حق يفرضه صمتا عشقه الكثيرون منهم خوفا وربما توجساً من رده أفعال قد تطال أحدهم أو جل أسرهم، من يريد صدق القول والفعل فعليه أن يحاكي أجسادهم وينشدها دون تطرف أو نظرة ازدراء. هو إنسان يملك كل ما تملكه فهلا أعطيته حق جسده وروحه دون انتقاص منه.

 

كل من يعتقد ظناً منه بأبديه النظرية فهو يسلب حقاً متاحاً لمن سيأتي بعده ليقول لنا ليست كذلك.

سمعنا عن عاشق الزمن ولمن نراه، فظهر لنا الحالم صانع الأفراح فرفضناه.

 

نعم الجنون قد يكون هبة حينما تغلق الأبواب وتشرع النفس أحوالها فتغوص في محيطها وتسبح في مياه لم يسبق لأحد قط الوصول إليها.

ولم تطأ قدم بشر أرضها فرضي بها ورضيت به، ساكنا مطيعاً لم يخلف مَأْساة ولم يشتك ظلم أحد العالمين أو طغيانه.

توارت أحلامنا وصمت حديثنا فعندما كنا صغارا كانت أحلامنا  أكبر بكثير وكلما طال بنا الزمن تراجعت وندثرت وأخذها "العابرون".

 

ومضة:

يردد ليست كافية أبداً فيستكثر منها حتى تخنقه.

 

يقول الأحمد:

من عاش ملهما مات فقيرا.

ثم أردف قائلا:

 أجمل ما لديك تجود بأسوئه

لو عشت فقيرا معدما

ماجادت النفس بهكذا عطاء.