عمان نهضة متجددة (4)

4 محاور لاستراتيجيات إدارة الشركات (2-2)

د. علي حبيب اللواتي

وبعد استعراض السلبيات التي ذكرناها في الحلقة الأولى من هذا المقال، نظرا لوجود تلك الحلقة الفاصلة (المجالس الإدارية الـ40)، علينا أن نفكر الآن في الممارسات الأفضل كحل جذري لكيفية إدارة تلك الشركات لكي تحقق النتائج الأهداف المُعلنة.

وألخص هذه الحلول فيما يلي: إلغاء كل مجالس إدارات تلك الشركات الـ40 فوراً، وتعيين رئيس تنفيذي لكل شركة يكون مؤهلاً علمياً وصاحب خبرات في مجال الشركة ليديرها بكفاءة مستدامة. ويتم تحديد الأهداف والأرباح المطلوب منه تحقيقها بالأرقام بدقة. وكل رئيس تنفيذي يتواصل مع أصحاب ومؤسسي الشركات مباشرة من دون وجود حلقة مجلس إدارة ليشرف عليه يفصله عن المؤسسين.

ويكون الرئيس التنفيذي له "فريق تنفيذي" للعمليات بالشركة يتكون من مديري الأقسام والوحدات، ليتم توزيع المسؤوليات عليهم وتوزيع الأدوار بينهم، ومتابعة عمليات الإنتاج وحل الصعوبات التشغيلية اليومية في بيئة عمل الشركة بعلاقة تفاعلية مع جميع فريق عمله.

كما يقوم الرئيس التنفيذي للعمليات بالتواصل المباشر مع أصحاب الشركة أو مجلس المؤسيين (الأوحد الوحيد) لكل الشركات الـ40.

بهذا الأسلوب العملي في إدارة التواصل بين جميع أطراف الإنتاج الفعلي، وكذلك فإنَّ التوجيهات من مجلس المؤسسين (الوحيد) ستصل بسرعة ودقة من دون ضبابية إلى الرئيس التنفيذي مباشرة ومنه إلى فريق عمله الفعلي بالشركة، هنا سنرى أن الأداء قد ارتفع وتحققت الأرباح وبالمقابل انخفضت التكلفة الإدارية. وشركات الاستثمار الوطنية والصناديق السيادية والتقاعد أحرى وأجدر بأن تدار بهذه الروح العملية المنتجة.

المحور الثالث

هل ستضع كل طموحاتك وأهدافك في سلة واحدة لتتعرض إلى بيئة عمل متغيرة باستمرار كما هي طبيعة الحياة؟

بالتأكيد لا تريد أن تنكسر كل أحلامك دفعة واحدة إذا انزلقت السلة من يدك وهوت إلى الأرض من ارتفاع شاهق، لأنها جميعها حينها حتماً وبلا شك ستنكسر!!

إذن ما الحل؟ تحتل مشاريع الاكتفاء الذاتي أولوية قصوى لدى الحكومات الباحثة عن مشاريع تطوير نسب الاكتفاء الذاتي لديها، كالمشاريع الزراعية والمائية والسمكية التصنيع الغذائي لديها، لكي تتمكن من تلبية احتياجات السكان وتسد حاجات مختلف القطاعات في بلدانهم هذا أولاً ويليه في الأهمية تصدير المنتجات الفائضة عن سوق الوطن المحلية.

ومثلما نعلم أنَّ حياة الدول والشعوب تشوبها المطبات والانعطافات التاريخية الكثيرة، فهذه سنة الحياة، فعليه فإنَّ موضوع الاكتفاء الذاتي الزراعي والتصنيع الغذائي ليأخذ أولوية قصوى لديها ولا تسمح بالمساس به مهما كانت الظروف المحيطة والمؤثرة.

ولكي تتجنب المساس بمشاريعها للاكتفاء الغذائي تقوم بتوزيعه على أوسع نطاق جغرافيا ممكنة في أراضي كل الوطن، مستفيدة من التنوع المناخي لكل المحافظات.

لماذا؟! لأنه حين يتعطل حقل أومنشأة تصنيع غذائية ..إلخ تكون بقية الحقول الزراعية ومنشآت التصنيع الغذائي مستمرة عاملة منتجة بكفاءة للمحافظة على مستوى الحماية الغذائية لسكان هذه الدولة. فعليه لا ينصح وليس من المنطق أن تنشأ كل مشاريع الدواجن والبيض والغلات الزراعية والفواكه بتكلفة عالية بالملايين وكذلك لا تكون مركزة جغرافياً في محافظة واحدة! بل يتم توزيعها على كافة المحافظات حسب المناخ المناسب فيها، ويكون تقدير كلفتها المالية متوسطاً. حينها لن ينكسر كل ما في السلة من مشاريع الاكتفاء الذاتي الغذائي إذا وقع حادث على الوطن!!

ومن أهم إيجابيات التوزيع الجغرافي لمشاريع الاكتفاء الذاتي، الآتي:

توفير أعمال مستمرة متجددة لشباب تلك المحافظات والمدن، وتخفيض وتقليل حجم هجرة الشباب من المدن إلى العاصمة بحثاً عن أعمال، وتحريك الحركة التجارية المرتبطة المساعدة وغير المرتبطة بمنطقة المشاريع، وتحفيز وتطوير روح المنافسة الصحية بين المشاريع، وإيجاد انتماء استهلاكي عالي المستوى لدى السكان للمنتجات التي صنعت وزرعت بمناطقهم

المحور الرابع: ما أبرز المواضيع أو النقاط التي يجب الأخذ بها عند تأسيس أي شركة؟

بلا شك ستكون هناك نقاط مهمة، ولكنني سأسلط الضوء على نقطتين رئيسيتين باختصار شديد وهما: دراسة الجدوى، وسلم الرواتب والحوافز. فدراسة الجدوى تعطي رؤية تفصيلية عن كفاءة المشروع وقدراته لتحقيق الأرباح والفرص المتاحة والمخاطر المحيطة بالمشروع وكذلك جوانب الضعف المحيطة به. ويتم تقدير كل تلك الجوانب مع وضع عدة تصورات وسيناريوهات محتملة لترسم خريطة طريق واضحة يهتدي بها المؤسسون قبل الشروع في تنفيذ المشروع بالواقع. ويراعى عند وضع تلك التصورات، أن يكون أحدها يمثل أسوأ احتمال يُمكن أن يحدث، لكي يتعرف عليه المؤسسون فيتفادونه كواجب مقدس.

ومن أهم تفاصيل ذلك السيناريو الأسوأ الذي يجب تفاديه هو سلم الرواتب والمكآفات والتحفيز. فيتم فقط تحديده بالدراسة بمضاعفته عن ما معمول به بالسوق، لكي يتم رؤية والتعرف على أثره السيئ القاتل السلبي على الأرباح النهائية للشركة، بالمقابل لا يتم الالتزام به أبدًا.

 وما سلم الرواتب والحوافز الأمثل للتطبيق العملي؟ منطقياً؛ تقوم الشركة الذكية بتبني سلم رواتب يكون أقل مما يدفع فعليًا بالسوق مع توضيح دقيق لبند المكآفات والحوافز مرتبطا ومشروطا بتحقيق ربح مالي نهائي لمستوى (أكثر من جيد)، مستوى ربح محدد بالأرقام. وهذا التصرف المنطقي سوف يحفز كل أفراد فريق العمل إلى المثابرة والكفاح اليومي لتقليل كل النفقات الجارية وزيادة الإنتاج بجودة عالية، مع تلافي كل أشكال التلف والهدر لكي يتم الوصول إلى أرقام الربح المطلوب بجدارة. أما أن يتم إنشاء شركات منذ اليوم الأول بسلم لرواتب خيالية ومميزات إضافية فإنها تقتل روح الإبداع لدى كل الفريق، وتوجد نوعاً من الاسترخاء والوهن بالأداء وضعف الهمم، فالمستلم آخر الشهر لهو حقا رائع وسقفه جدًا عالٍ.

إن الأوطان والدول ترى شركاتها وصناديقها السيادية والاستثمارية الحصان الأسود الجامح المنطلق لتحقيق الأرباح، فيتم تعليق كل أنواع الآمال الطموحة على الحصان الجامح. وفي المقابل، فإنَّ عدم الأخذ بذلك المبدأ (سلم الرواتب المنضبط نظام الحوافز المشجع) يعني أن كل تلك الشركات مصيرها تحقيق وتسجيل الخسارة تلو الخسارة من دون توقف عاماً بعد عام، ويا حكومة تكرمي تفضلي ادعمينا واشطبي الخسائر.