مدرين المكتومية
إنِّنا في كثيرٍ من الأحيان نُعاني من حالة عدم فهم الأشياء من حولنا، فبعدم فهم أنفسنا، عدم فهم احتياجاتنا، عدم فهم ما نقوم به من أعمال، نجد أنفسنا في عشوائية لا مفر منها، لا نعلم ما الذي نعيشه ولا الذي نُريده، ولا كيف سنحصل على الأشياء التي ظلت لسنوات مُعلقة على ذاكرتنا، كل ما يمكن أن نعيشه، هو أننا في كثير من الأحيان نقدم كل شيء وبسعادة مُطلقة، من مشاعر وحب وعمل، وفي أحيان أخرى نقف أمام أنفسنا ونُردد لماذا نسمح لأنفسنا ومشاعرنا أن تتحكم بنا، لماذا نعطي لفلان أهمية أكبر مما يستحقها، ولماذا نقوم بهذا العمل على الرغم من أنَّه غير مجدٍ؟ وبكلمة واحدة ومختصرة يمكننا أن نعبر عن تلك الحالة بأنها "تناقضات".
نعم إننا نعيش في هذه الحياة بتناقضاتها وتقلباتها، وهذه التناقضات لربما هي من صنعتنا ولربما هي من جعلتنا نسلك طريقاً عوضاً عن آخر، نمتهن مهنة عن أخرى، نحب شخص عن آخر، ولربما أيضاً هي من جعلتنا نشعر بالتيه في كثير من الأحيان، ونشعر بحميمة في أحيان أخرى، هي من جعلتنا نعيش وفق المتاح، وهي من تجبرنا على البحث عن الأفضل، ولأنَّ تلك التناقضات كانت جزءًا من تشكيل ما نحن عليه الآن، فلا يجب أن نلعن أنفسنا عليها، أو على تلك الحالة، بل على العكس فالإنسان يعيش بتناقضاته، وهناك من يحبك لأنه لا يعرف كيف يفهمك، ولا يعرف أي الطرق التي يجب أن يمضي فيها ليصل إليك، دائماً ما يشعر أنَّه وصل للنقطة الفاصلة ولكنه يعود للصفر، والتناقض موجود في كل شيء، حتى "الصفر" لولاها لما كان للرقم 10 أو 100 أو 1000 أهمية.
إننا نعيش في محيط كبير، نصادف أشخاصاً نضطر لنناقض أنفسنا أمامهم لنستطيع التعايش معهم ومع رغباتهم وتصرفاتهم، وفي كثير من الأحيان هناك وضع معين ومرحلة أيضاً تضطرنا للتناقض، وهناك أناس لا يعرفون عنَّا سوى تناقضاتنا، ولربما أكثر ما يحببهم فينا تلك اللحظات التي قد نستثقلها، وقد نجد أنفسنا لا نعرف من نحن؟ ولا لماذا الآن؟ ولا ما الذي نريد؟!
لا يجب علينا أن نشعر بالاستياء من تلك اللحظات العصيبة التي قد تمر بنا، إن شعرت بحاجة للبكاء في وضع يستدعي الضحك، ابكِ والعكس صحيح، لا تكلف نفسك أن تعيش كل لحظات حياتك كما يريد الآخر، فنحن بشر في النهاية ونعيش لحظات من التقلبات والتناقضات التي تجعلنا نشعر أننا لسنا نحن، أو لسنا كما يجب أن نكون، ويجب علينا أن نتخذ قرارات قد تكون قاسية في حق أنفسنا، وربما أن نخسر أشياء أحببناها لزمن طويل، أو أن نترك مكاناً جمعنا بمن نحب لسنوات طويلة، وربما نشعر أننا لا نريد أن نرى أحداً، أو أن نتحدث مع أحد، فجأة نشعر أن المكالمات التي كنَّا ننتظرها وتترقب شاشة الهاتف حتى لا تفوتنا أصبحت ثقيلة ومزعجة، الأشخاص الذين نجد أنفسنا نشعر بسعادة مطلقة معهم، لا نريد أن نلتقي بهم، العمل الذي نحب مُمارسته لا نقوى على استكماله، هي الحياة بتقلباتها، ونحن البشر لا يُمكن أن نتجاهل تلك اللحظات، علينا أن نكون كما نُريد ونعيش بتناقضاتنا.