بين آينشتاين وميسي.. نحتاج تغيير البوصلة

أم كلثوم الفارسية

لم يعُد من الصائب افتراض أنَّ التعليم المدرسي الذي يتلقَّاه أبناؤنا في المدراس اليوم سوف يعدهم للعالم الحقيقي الذي سيصطدمون به بعد تخرجهم، فنحن نعلم علمَ اليقين أنَّ أبناءنا يحتاجون لتعليم بصبغة جديدة ونظام مختلف، يضمن لهم معرفة القواعد الجديدة في عالم متغير، بل وسريع التغيُّر أيضا.

نتَّفق جميعا على أنَّ المهارات الدراسية بالغة الأهمية، لكنها اليوم تحتاج مهارات داعمة ومساندة تصنع لنا جيلا يتناسب مع مُعطيات العصر الحالي، في واقع الأمر لم يَعُد في مقُدورنا نحن المربِّين القول لأبنائنا إنَّ بوابة المدرسة هي بوابتك لمستقبل أكثر نجاحا، فباجتهادك وحصولك على درجات مُرتفعة ستحصل على وظيفة تحقِّق لك أمانا ماليا ومستقبلا خاليا من الضغوطات المادية.. هذا الزمن يُعلِّمنا أن أخطر نصيحة يُمكن أن تخرج من فمك لتستقر في مسامع أبنائك هي "اذهب للمدرسة وتفوق لتجد وظيفة الأحلام في انتظارك".. بصدق هي نصيحة عتيقة قد أكل الدهر عليها وشرب!

أبناؤنا لم يعد يقنعهم تفكيرنا حول المستقبل؛ لأن ما يرونه أمام أعينهم ببساطة شديدة يختلف اختلافا جذريا عن قناعاتنا التي نُصرُّ على تلقينهم إياها.. فرجل ثري مثل بيل جيتس مثلا "الذي غادر مقاعد هارفارد مديرا لها ظهره، أنشأ مايكروسوفت، وهو اليوم أحد أثرى رجال العالم، وحقق ثروة طائلة، وهو لا يزال في الثلاثين من عمره.."، وميسي اللاعب ذو الشعبية الأكبر بين لاعبي كرة القدم حول العالم المشخَّص من قبل الأطباء بأنه يُعاني من نقص هرموني أدى إلى حدّ نموه وتصنيفه من فئة صعوبات التعلم، لكنه اليوم يتقاضى راتبا سنويا يقدر بـ40 مليون يورو!!!

... إنَّ الواقع يقول لنا إنَّ أغنياء العالم لم يكونوا من أصحاب الشهادات العلمية العالية، لكنهم كانوا من المميزين في مواهبهم، عرفوا كيف يجعلوا الموهبة وسيلة تُدِر عليهم مالًا، وتحقق لهم أرباحا لا يستطيع تحقيقها أي موظف متفوق ومخلص!

للأسف.. مدارسنا اليوم وبنظامها التعليمي الذي لا يزال يستهدف مهارات لم تعد لها أولوية في عالم اليوم، يصنع لنا موظفين مُتقنين، فنحن نشكل أولادنا حسب بيئة العمل الموجودة الآن، نشجِّعهم على نيل الماجستير والدكتوراه لأمان وظيفي ومستقبل مهني على الرغم من إدراكنا، وخاصة بعد جائحة كورونا، كيف يخسر الموظفون بينما يربح الملاك والمستثمرون.. نحن نعد أطفالنا ليكونوا عبيدًا جُدد؛ حيث نُسلم الآخرين القدرة على التحكم بأقدارنا ومستقبلنا بينما قواعد اللعبة الجديدة تقول إنَّ الجيل القادم سيشكل بيئة عمله بنفسه، إنَّ المدارس والجامعات الحالية إذا لم تستوعب هذا التغيير للجيل، رُبما يأتي يوم ولن يكون بعيدًا وتجد نفسها بلا طلاب، أفكار العمل أصبحتْ خارج الصندوق؛ فالشركات الأُسية (التي تتضاعف قيمتها سريعًا) مثل "أوبر" وأخواتها غيَّرت اتجاهات الجيل الجديد، لتأتي أزمة كورونا مؤكدة أنَّ العالم مُتَّجِه نحو قدرات تفوق بكثير مهارات القراءة والكتابة والحفظ، العالم يتجه لقُدرات عقلية تقوم على الإبداع والابتكار، والتواصل الفعال عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولا يخلو الأمر من مهارات التصوير والمونتاج؛ فقد أصبحت هذه المهارات هي الناطقة في كل عمل!

ونحن ما زلنا في مدارسنا نعلم مهارات كان يكتسبها أجدادنا وهم يتعلمون تحت الشجر!! إن الجدران الملوَّنة والمكاتب المحوسبة إذا لم تُدِرها عقول تقرأ المستقبل بصورة عالمية سوف نكون مُتأخرين عن الرَّكب في عالمنا الثالث، الذي نأمل أن يخرج منه جيل يشارك في وضع قواعد الحاضر والمستقبل؛ من خلال مدارس أكثر استيعابا لمقتضيات العصر القادم.

تعليق عبر الفيس بوك