السباق إلى الفساد في الدول

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

لا أعتقد أنَّ أي شخص سوي يحب أن يستمع أو يقرأ عن كلمة (الفساد) غير أنَّ الأمر وكما أقرأه لم يعد في مرحلة الكلمات المختارة بتلك العناية الفائقة في عالم اليوم  بل إني أراه بحاجة ماسّة إلى المصارحة بلغة أكثر تناسباً مع الحاجة إلى الاستقرار والنجاح للأوطان وأن الاستمرار والحفاظ على أمة بأكملها أهم بكثير من مراعاة فئات تدقق في الصور أكثر بكثير من الأفعال ففي الوقت الذي نسمع فيه مثلاً عن اتفاقيات ومناقصات بأسعار خيالية فإنَّ التحرك والعمل المناسب ومن خلال القانون قد لا يكون له الصدى الذي يُناسب ذلك الفعل وإذا كان الحال كذلك فإنَّ السؤال الأعمق في هذه الجوانب من هو المعنى المباشر للقيام بإجراء حاسم يجعل من فعل الأمور الخاطئة أو تكرارها أقرب إلى المستحيل.

ومن هنا فإنَّ من يقرأُ الفساد على أنَّه تضييع للمال فذلك المعنى بعيداً كل البعد عن الحقيقة، ذلك أن الأمور تتخطى أشواطاً في معناها وهو أبعد بكثير من حمل تلك التسمية فالتأخر عن العمل والسكوت على الخطأ والعبث بالممتلكات العامة والكثير من تلك المعاني يحمل نفس الصفة غير أني اليوم أذهب بالأمر إلى جانب آخر لم يناقش بما يستحقه وبما هو بحاجة إليه من دراسة وتمحيص ولذلك فإني أبدأه بهذا السؤال من هو المسؤول عن إشعال السباق الذي بدوره هو المسؤول الأول عن شرعنة الفساد بطريقة غير مباشرةٍ في الدول، فإذا كانت المُعطيات تقترب من التساوي بين المُجيد والمقصر ويكون سلّم الصعود متساوياً فما هو عمل المُجيد وشعوره وهل سيستمر بنفس الزخم من العمل وماذا عن مجيدين وطموحين للإبداع يقبعون من زمن طويل في الصف الثالث والرابع ومن هو المعني بالبحث عنهم وإذا سمع عن أي مسؤول في أي دولة من دول العالم أُعطي منحاً للأراضي بما يوازي أسعارها الملايين أو بنيت للبعض بيوت بأرقام خيالية وقدمت مبالغ بما يسمى "تحسين الوضع" بمجرد فارق بسيط في وظيفة ما، أفليس الأمر بما يشبه السباق نحو الأسوأ؟ لكن في ميادين مختلفة واحد يحمل الصفة القانونية غير المبررة  والمختلفة والآخر أوجد لنفسه ميداناً شرّع لنفسه طريقاً أوجد لها الأسس لأنّ أخيه أو جاره أو صديقه تقدم بشكل غير اعتيادي في نمط حياته وتنافس مع كل من حوله لأسباب قد لا تكون مُقنعة بالشكل الذي معه تستقر الرؤيا الاجتماعية والعملية للقبول بالأمر ولذلك وبطرق غير مباشرة فإنَّ الجانب الآخر حصل على نفس الأرقام ولكن بطرقٍ أخرى فمرةً أخرى من هو المسؤول عن إشعال ذلك السباق!

في شكل آخر نحو سباق المصالح فكيف يمكن لموظف أن يتقاضى مثلاً مئات الريالات وبالمقابل يعلم أنَّ موظفاً مثلاً في شركةٍ حكوميةٍ يعرفه حق المعرفة ويعلم عن قدراته وعمله ويتقاضى عشرات الآلاف ولذلك قبل أن نحكم على شكل الفساد وأسبابه في أي دولة من دول العالم علينا أن ندرس وبعمق الحالة الاجتماعية وإقناع المنتمين إلى ذلك الوطن بأن لكل شيءٍ سبباً كافياً ومبرراً للقيام به.

وأخيراً.. إنَّ أي دولة في العالم تفسّرُ أسباب الفساد من خلال الأحداث المباشرة، فعليها أن تعلم أنها لم تبدأ بعد باجتثاثه ولن يتم ذلك إلا بالتوزيع العادل والدقيق للثروة وتعيين القياديين وليس الفنيين في كل الجهات والمناصب ومحاسبة المُقصّر وتشجيع المتميز وكذلك الشفافية المُطلقة في كل شيء وخاصةً توضيح قيمة المناقصات وتعيين أصحاب الكفاءة والدراية والمقدرة على تمحيص الأمور وتقنين واستخدام الموارد بأفضل ما يمكن.