يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
".. فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه وتبسيط الإجراءات". (هيثم بن طارق سلطان عُمان) (1).
الأسبوع الماضي وفي الحادي عشر من يناير، كنت قد جهزت مقالاً لإرساله لجريدة الرؤية عن كتاب تاريخي قيم بعنوان: "أهمية ولاية العهد في العصر العباسي الأول" من تأليف الدكتورة أحلام الجهورية (2)، وبصدفة تاريخية غير مُتوقعة لي ككاتب للمقال، كان وقت إرسال المقال هو نفس توقيت إصدار عددٍ من المراسيم السلطانية، أحدثت تطورات مُهمة بشأن آلية انتقال ولاية الحكم في عُمان؛ إذ قام جلالة السُّلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- بإصدار مرسوم سلطاني بإصدار نظام أساسي جديد للدولة، يتضمن تنظيماً لآلية انتقال ولاية الحكم، من خلال استحداث منصب ولي العهد لأول مرة رسمياً في تاريخ سلطنة عُمان؛ حيث ينتقل الحكم بشكل رأسي من السلطان لأكبر أبنائه، طبقة بعد طبقة، وبذلك سيكون سُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد أول ولي عهد رسميًا في تاريخ عُمان.
بطبيعة الحال يوم الحادي عشر من يناير هو بالأساس الذكرى الأولى لليوم الذي تقلد فيه جلالة السُّلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في عُمان، لذلك إصدار النظام الأساسي الجديد للدولة في هذه المناسبة، يحمل العديد من الإشارات؛ أهمها اهتمام السلطان بمسألة خلافة الحكم، وإدراكه لأهميتها القصوى. وقد عُرف عن جلالته أنَّه قارئ جيِّد للتاريخ، وقد شاهدتُ مقطعاً مرئيا (فيديو) يتحدث فيه عن أمور تاريخية تخص التاريخ العُماني الزاخر، ولا شك أنَّ الحاكم عندما يكون قارئاً جيدًا للتاريخ، تتضح لديه الصورة كاملة في كثير من الأحداث؛ حيث يستفيد من أحداث الماضي ويجعلها دروساً يتعلم منها لفائدة بلاده حاضرا ومستقبلا، وهذا ديدن القادة الأفذاذ.
معنى ومغزى تعيين ولي للعهد ليس لإشغال منصب، أو لبهرجة؛ إنما هو تأسيس منطقي لضمان سلاسة انتقال السلطة، في حال شغر المنصب الأعلى، وفي ذلك تأسيس موضوعي لعدة مُقتضيات مهمة جدا؛ إذ يؤثر إيجاباً سياسياً واجتماعيا واقتصاديا على كافة أوجه الحياة في البلاد، وليس مهمًا أن تُسند أدوار سياسية معينة لشاغل منصب ولاية العهد؛ كالمشاركة بأجندات سياسية محلية ودولية، وليس مطلوباً ذلك ما دام القائد الأعلى قائماً بالمهام على أكمل وجه. لكن في حالات عديدة قد تُسند لولي العهد مهمات في السلطة التتفيذية كرئيس للوزراء مثلاً.. وأتذكر أنه في عقود سابقة بدولة الكويت كان ولي العهد يشغل- إضافة لولاية العهد- منصب رئيس مجلس الوزراء (3)، ولم ينتهي ذلك إلا مع فصل ولاية العهد عن منصب رئيس مجلس الوزراء، لما حال العارض الصحي لسُّمو الشيخ سعد العبدالله الصباح ولي العهد- آنذاك- عن استمراره كرئيس لمجلس الوزراء، وخلفه في ذلك سُّمو الشيخ صباح الأحمد الذي تقلد مقاليد الحكم في البلاد في 29 يناير 2006، وفي فترة حكم الشيخ صباح- رحمه الله- استمر فصل ولاية العهد عن منصب رئاسة الوزراء (4)، وما زال الوضع قائمًا في فترة حكم الشيخ نواف الأحمد- حفظه الله ورعاه-.
هناك دول كثيرة تعتبر منصب ولاية العهد منصبًا بروتوكولياً، إلا أنَّ الوضع في السلطنة مختلف؛ إذ نصت المادة السابعة من النظام الأساسي للدولة على: "ويحدد الأمر السُّلطاني اختصاصاته، والمهام التي تسند إليه. ويؤدي ولي العهد أمام السُّلطان، قبل ممارسة اختصاصاته أو المهام التي تسند إليه، اليمين المنصوص عليها في المادة (10) من هذا النظام". لكن في دول أخرى قد لا تسند إلى ولي العهد مهام تنفيذية؛ بل يبقى مراقباً للوضع، ومن الممكن أن يقوم بمهمات إنسانية مُعينة؛ حيث يبقى في وضع خاص إلى أن يتبوأ الحكم المُنتظر.
في سلطنة عُمان وعلى امتداد تاريخها السياسي سواء منذ عهد اليعاربة أو حتى دولة البوسعيد، وصولاً للسلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- لم يكن هناك منصب رسمي باسم "ولي العهد"، صحيح أنَّ هناك من يقوم بأعمال أقرب لمنصب "الرجل الثاني" في الدولة، إنما كمسمى لم يكن قائماً. وحتى أدقق أكثر، كان من الملاحظ أن مُمثل السلطان قابوس في اجتماعات مجلس التَّعاون الخليجي هو سُّمو السيد فهد بن محمود (5)، وفي القمة الأخيرة للمجلس كلّف جلالة السُّلطان هيثم بن طارق- أبقاه الله- سُّمو السيد فهد أيضاً لتمثيله في اجتماع المجلس الأعلى في "قمة العلا" التي انعقدت بالمملكة العربية السعودية، لأنه لا يوجد منصب ولي العهد أو ما يُعادله.. ولذلك قد نرى ولي العهد الجديد ممثلاً لجلالة السلطان في مهمات سياسية قادمة سواء القمة الخليجية أو غيرها.
حفظ الله سلطنة عُمان العزيزة، وشعبها الطيب، ويسر الله المستقبل الزاهر لها بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه ورعاه-.
______________________
المصادر:
- خطاب السلطان هيثم بن طارق، الأحد 23 فبراير 2020.
- د. أحلام بنت حمود الجهورية. كاتبة وباحثة عمانية متخصصة في التاريخ.
- أولياء العهود الذين تَبَوَّءُوا رئاسة الوزراء في الكويت: صباح السالم الصباح (1963- 1965)، جابر الأحمد الصباح (1965- 1978)، سعد العبدالله الصباح (1978- 2003).
وترأس مجلس الوزراء في عهد الشيخ صباح الأحمد: ناصر المحمد الصباح (2006- 2011)، جابر المبارك الصباح (2011- 2019)، صباح الخالد الصباح (2019- حتى الآن).
- سمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان.