الصناعة.. قاطرة النمو وعربة التقدم

 

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي

باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية

 

قبل سنوات أصدر الخبير والأستاذ الجامعي التركي مراد يوليك كتاباً بعنوان "How Nation Succeed" أو "كيف تنجح الأمم"، وكان العنوان لافتاً لأنَّ يوليك تناول الموضوع من جانب النجاح وليس من باب النجاح والفشل، كما فعل الخبير والأكاديمي المعروف بول كندي في كتابه

 "The Rise And Fall Of Great Powers" أو "بزوغ وسقوط القوى الكبرى"، أو كما فعل دارون أسيمجلو وجيمس روبينسون في كتابهما"Why Nations Fail" أو لماذا تفشل الأمم"، وكما فعل غيرهم من الكتاب الذين بحثوا في تاريخ الدول وأسباب نهضتها وسقوطها.

وبعد فترة دعت إحدى المُؤسسات المعنية بقطاع الصناعة الأستاذ يوليك لزيارة السلطنة للاطلاع على تجربتها في إنشاء المناطق الصناعية وإلقاء محاضرة عن خبرته في مجال التنمية الصناعية. تناول يوليك في المُحاضرة التي ألقاها في مسقط أهمية قطاع الصناعة للنمو الاقتصادي وللتنمية بشكل عام، ورأى أنَّه لكي تحقق أي دولة نموا اقتصادياً مستداماً وتنمية شاملة فإنَّ قطاع الصناعة يجب أن يكون أحد أهم القطاعات الرائدة، وأن يُسهم بما لا يقل عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد حدد يوليك أهمية قطاع الصناعة في عدة مجالات، أهمها خلق فرص العمل وتنويع الاقتصاد لأنه يجر أثناء نموه قطاعات أخرى، وكذلك النهوض بالبحث والتطوير التقني وغير ذلك من الآثار الإيجابية على الأنشطة الاقتصادية والتنموية

وفي الأيام القليلة الماضية نشر موقع المنتدى الاقتصادي العالمي WEF دراسة لمجلة فوربس Forbes  تُؤكد أنَّ قطاع الصناعة هو القطاع الذي سيقود تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كوفيد19 ودعت الدراسة إلى تقديم التسهيلات واستخدام الفرص المتاحة من أجل تحقيق ذلك.

وعند الحديث عن القطاع الصناعي من المُهم التنويه إلى أنَّ المقصود به في هذا السياق قطاع الصناعات التحويلية وليس الصناعات الاستخراجية والخدمات المرتبطة بها. وتشير الإحصاءات إلى أن قطاع الصناعة ككل أصبح يُشكل ما نسبته حوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان، إلا أنَّ قطاع الصناعات التحويلة لا يزال يُسهم بنسبة تزيد قليلاً على 12% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، تشكل الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز الجانب الأكبر فيها. كما أن مجموع العاملين العمانيين بهذا القطاع لا يزال دون 32 ألفاً بينما يبلغ عدد العاملين الأجانب في نفس القطاع حوالي 170 ألفًا. إن وجود هذا العدد الكبير من العمالة غير العُمانية في هذا القطاع مقارنة بعدد العمالة العمانية فيه مؤشر إلى أنَّ الصناعات القائمة تعتمد على العمالة منخفضة الأجور والتكاليف وهو ما يعني انخفاض القيمة المضافة فيها، أو أنها صناعة مُنخفضة التقنية.

وبناءً على تلك المؤشرات وعلى معلومات أخرى متوفرة في الأراشيف وقواعد المعلومات عن قطاع الصناعة والأنشطة المرتبطة به، ومع أنَّ الحكومة عمدت منذ سنوات عديدة على تقديم الحوافز والدعم لهذا القطاع، سواء في صورة بنية أساسية تمثلت في إنشاء عدد من المناطق الصناعية التي وفَّرت خدمات كثيرة للمستثمرين أو في صورة قروض مُيسرة وإعفاءات جمركية وضريبية، فمن الواضح أنَّ الفجوة لا تزال واسعة بين الوضع الحالي وبين الحد الأدنى الذي ينبغي أن تكون عليه نسبة مُشاركة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي. لذلك لابد من وضع خطة شاملة بأهداف محددة واضحة أوما يسمى "استراتيجية" ذات مدى قصير ومتوسط للنهوض بهذا القطاع، يكون من بين أهدافها ما يلي:

- تحقيق نمو في قطاع الصناعات التحويلية ترفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى ما لا يقل عن 25% خلال خمس سنوات من الآن.

- زيادة مُساهمة الصادرات الصناعية حتى تكون، إلى جانب النفط والغاز، مورداً هاماً للنقد الأجنبي بما يُسهم في سلامة ميزان المدفوعات ويُعزز من قوة الريال العُماني.

- العمل على أن تزيد المشاريع الصناعية المقامة من الترابط بين القطاعات الاقتصادية، خاصة من خلال استخدام الموارد الطبيعية المحلية أو من خلال استخدام مدخلات صناعية وسيطة تنتجها صناعات محلية أخرى.

- أن تكون الأولوية في إقامة المشاريع لتلك التي تخلق فرص عمل مُناسبة للمواطنين من ذوي المؤهلات العالية والمُتوسطة، حتى تكون الصناعة عاملاً رئيساً في رفع مستوى المعيشة للمواطنين.

- أن تكون الصناعة هي القطاع الرائد في استقطاب وتطوير التقنية لتقود بذلك التطور والتقدم الاقتصادي وتعمل على إحداث التغيّر الاجتماعي المناسب.

ولتحقيق تلك الأهداف لابد من وضع سياسة عامة Public Policy تنصبُّ وتتكامل فيها جهود كل الجهات المعنية بالقطاع، سواء تلك المعنية بالبنى الأساسية والخدمات المساندة أو تلك المعنية بإعداد الموارد البشرية وتسهيل التمويل اللازم. وحيث إنَّ الصناعة هي قاطرة وعربة التنمية، إلى جانب أن عُمان بلد منتج للنفط والغاز، وطالما أنَّ أغلب الصناعات التحويلية هي صناعات كثيفة الطاقة، أي أنَّ الطاقة تشكل نسبة كبيرة في مكوناتها وتكلفة إنتاجها، فإنِّه يجب استغلال الميزة النسبية التي تتمتع بها عُمان في مجال الطاقة بتقديمها بسعر التكلفة، وليس بسعر السوق العالمي، خاصة للمشاريع الصناعية التي تلتزم بتحقيق الأهداف الموضوعة للقطاع.

ويجب أن يكون من ضمن تلك السياسة العامة تكثيف جهود الترويج لجذب الاستثمار في الصناعة من أجل فتح أسواق جديدة للصادرات الصناعية، سواء كان ذلك في صورة اتفاقيات تجارة حرة في إطار الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون، أو في صورة اتفاقيات ثنائية بين السلطنة ودول أخرى في المنطقة وخارجها، وهوما يستدعي القيام بجهود أكبر على الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي، إلى جانب النشاط الترويجي التجاري.

تعليق عبر الفيس بوك