من مواعظ السلطان قابوس

مدرين المكتومية

حدثني وزير سابق ذات مرَّة عن مآثر المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- ونقل لي أنَّه وفي أحد اجتماعات مجلس الوزراء الموقر منذ 15 عاماً تقريباً، تحدَّث السلطان الراحل معهم عن حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: " لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر".

استوقفني هذا الحديث كثيراً واستوقفني أيضًا هذا النوع من الموعظة والتفكير المُستوحى من السيرة النبوية العطرة، بحيث إن في حياة كل إنسان هناك إيجابيات وسلبيات، عوضاً عن ميل البعض إلى النميمة والسب والتَّحدث عن الآخرين بطريقة سلبية، ينبغي الحديث عن الآخرين بطريقة إيجابية والأخطاء واردة في حياة كل إنسان وديننا يحضنا على الستر وعلى ألا نتحدث عن أخطاء الآخرين، فكل منِّا معرض لأي موقف وبالتالي فإننا يجب أن نركز على الإيجابية في حياة كل إنسان.

عندما أتحدث عن هذا الفكر الذي كان يُميز السُّلطان الراحل فإنني أتحدث عن من جمعتنا الأقدار به يوماً، حيث حدثني المكرم حاتم الطائي أنه انبهر في اللقاء الذي جمع السُّلطان قابوس مع مجموعة من الصحفيين، بأنَّ صاحب الجلالة المغفور له لم يذكر كلمة سلبية واحدة خلال الثلاث ساعات من ذلك اللقاء الذي عرَّج فيه على تجربة التنمية في عمان والتحديات والأعداء والأصدقاء إلا أنه لم يستخدم كلمة سلبية واحدة وهذه مسألة مُثيرة للاهتمام والإعجاب، حيث إننا نتحدث حتى عن أعدائنا ولكن لا نستخدم تلك المفردات والكلمات النابية، بل نستبدلها بما هو أفضل مترفعين عن الوصول بأنفسنا إلى ما لا يتناسب مع شخصياتنا وما يجب أن نكون عليه رغم كل ما يُحيط بنا.

علينا أن نتسامى في كل ما يحدث من حولنا، علينا أن ندرك أننا بشر ولكن أيضاً علينا ألا ننسى أنَّ من حق كل إنسان أن نقدم له الاحترام، ولا نذكر عنه سوى مآثره، وهذا ما يجعلنا نتسامى، فالسُّمو أن نترك كل شيء كما هو، ونجمل الآخرين أمام غيرهم، ما الذي سنجنيه إن قضينا الحياة في تدمير علاقات البشر، أو استحضار مساوئ الأشخاص..؟ لن نجني سوى أننا نخسر أنفسنا أمامنا وأمام الآخر، ونلطخ قلوبنا البيضاء ببقايا من الحقد والغل والحسد، لماذا...؟ هل فكَّر أحدنا قبل ذلك كم سيعيش، وكيف ستكون حياته إن استبدل زراعة الورد بزراعة الصبار في دواخل الأشخاص...؟

نحنُ بشر غير معصومين أو منزهين عن الوقوع في الأخطاء، ولربما خطأ واحد أفسد الكثير من الأشياء في حياتنا بإمكانه أن يعيد إلينا الأمل نحو سلوك وبلوغ طريق النجاح، عندما يشتمك أحدهم، أو يقلل من شأنك وربما يتحدث عنك بسوء لا تُفكر بمعرفته، ولا تسمح لأي أحد أن يُخبرك هذا الشيء، لسبب واحد حتى تظل دائمًا صفحتك بيضاء وقلبك متسامح، حتى لا تترك لأحدهم فرصة لأن يُدمر الأشياء الجميلة في داخلك.

نحنُ في الحياة عابرون، نأتيها لبرهة من الزمن، ونرحل منها دون أن نمتلك شيئاً، سوى الصفات والبصمات التي نتركها بين الناس، لذلك علينا أن نسعى دائماً لأن نكون قدوات ونتعلم الدروس ولا نفتح أبواباً أغلقها غيرنا، فلا نفضح سراً، ولا نتحدث عن أحد بسوء، ولا نقلب مواجع الآخرين، فلعل خطأ واحداً صحح الكثير في حياة شخص، ولعل كلمة طيبة منِّا غيرت الكثير بداخل أحدهم، علينا أن نتسامى أن نبلغ العلا في صفاتنا، أن نُمارس تفاصيل الحياة بصورة صحيحة، غير ملتفتين أو ناقلين لتفاصيل حياة آخرين، نهتم بأنفسنا وتطوير ذواتنا، تاركين الآخر وشأنه، غير مكترثين للبحث والتقصي عن تفاصيل لا تعنينا ولن تضيف لحياتنا شيئاً.