د. خالد بن علي الخوالدي
المشهد الإعلامي في السلطنة يدعو إلى التحرك، وبسرعة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فمن غير المقبول منطقا وعقلا أن نرى إعلامنا متأخرا عن الركب، وبعيدا كل البعد عن نبض الشارع، ومتمسكا تمسكا شديدا بكونه "إعلاما تنمويا"؛ فبعد 50 عاما من النهضة، علينا أن نخرج من هذه الشرنقة الضيقة، إلى الواقع الرحب الذي يجعل من إعلامنا "إعلاما تشاركيا"؛ فلا يكون منحازا إلى الحكومة لدرجة كبيرة؛ بل مقوِّما لها ولدورها وما تقدمه، كما عليه في الوقت نفسه أن يتناغم مع رغبات الشارع، وإيصال هذه الرغبات بطريقة ذكية للحكومة، لتدرك الأخطاء وتعمل على تصحيحها، والتركيز على الإيجابيات وتعزيزها.
فدور الإذاعة والتليفزيون مثلا لا يزال تقليديا بحتا، ولم يستغل الطفرة التقدمية بصورة واقعية؛ حيث ما زلنا نرى هذه القنوات تنطق باسم الحكومة وتوجهاتها فقط، ولم تمارس دورها الواقعي والحقيقي في أن تكون قريبة من نبض الشارع، وتمارس الاختيارية والانتقائية في طرح المواضيع التي تمس المواطن بما يتوافق مع تطلعات وسياسات الحكومة؛ وخير مثال على ذلك التقرير الذي بُثَّ في التليفزيون عن وسم "وقف العلاوات والامتيازات"، والذي تمَّ إقراره بعد نشر التقرير بيومين أو أقل، وقد فَهِم المتابعون للتقرير أن هناك تنسيقا مسبقا، وربما الوسم أصلا متعمد، لأن أوسمة (هاشتاجات) كثيرة تصدرت الترند (قائمة الأكثر تداولا) في السلطنة، ولم يُعِرها التليفزيون ولا الإذاعة أي اهتمام. الحقيقة: المتابع العماني ما زال يرى أن التليفزيون والإذاعة هما من المصادر ذات التأثير الأكبر، ونظر للمواضيع التي تُطرح في هذه القنوات بعين الأهمية، خاصة مع انتشارها في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير جدا.
كما أنَّ الصحافة للأسف الشديد تسير على نفس المنوال، رغم إتاحة هامش من الحرية المسؤولة، لكن ما زال "حارس البوابة" موجودا يمارس مهمته، وما زالت تلك المواضيع التي تمجد المسؤول والوزير ووزارته حاضرة وبقوة، ومع أنها تحاول أن تجد لها بين وسائل التواصل الاجتماعي مكانا بأنها "السلطة الرابعة"، إلا أنها بعيدة جدا عن تحقيق مراد هذه السلطة، كما أن السلطات الثلاث الحقيقية (التنفيذية والتشريعة والقضائية) أقوى منها بسنوات ضوئية، وهنا على الصحافة ووسائل الإعلام التي تُوصَف بالتقليدية أن تنتبه لنفسها حتى لا يفوتها قطار الجماهير.
على القائمين على الوسائل الإعلامية التقليدية، أن يعلموا بأن الوضع اختلف تماما عن ذي قبل، فقد كنا نعاني لفترة قريبة من شح المعلومات والبيانات المتاحة لوسائل الإعلام عامة وللجمهور خاصة، أما الآن فالأمر شهد تحولا جذريا وسريعا، مع الوفرة في المعلومات وتداولها على أوسع نطاق، فظهر ما يسمى بالمواطن الصحفي الذي استطاع أن ينقل لنا الخبر من أي موقع وبسرعة فائقة جدا. ولولا كثرة الشائعات في هذا المجال لقلنا لوسائل الإعلام التقليدية "وداعا إلى الأبد"!
ولقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي وسرعتها في تداول معلومات تسحب البساط من تحت أقدام جميع وسائل الإعلام التقليدي -المرئي والمسموع والمقروء- وخرجت بالعملية الاتصالية من العباءة التقليدية إلى آفاق واسعة من التطور والتقدم. وهذه رسالة إلى الوسائل الإعلامية التقليدية لإنقاذ نفسها والنزول لرغبات الجمهور ومعالجة الوضع المجتمعي من منظور واقعي ومحايد وبعيد عن الاهتمام بالأخبار الرسمية المُعلبة والجاهزة، فلم تعد أخبار من عينة "استقبل.. ودع.. زار.." ذات أهمية عند الجمهور المتعطش للتعمق أكثر في همومه وتطلعاته.
إنَّني على ثقة بأنَّ وسائل الإعلام -على اختلافها- قادرة على تقديم محتوى إعلامي يتناسب وذوق المتلقي، وذلك لوجود طاقات شبابية تتحلى بالهمة والعطاء والحماس؛ إنهم شباب ناجحون في الحياة العامة ولهم متابعون كثر، وسوف يحققون النجاح في إيصال الرسالة الإعلامية الواقعية إلى الجمهور، إذا ما مُنحوا الثقة والحرية ومُكّنوا من الحديث عن الواقع بكل صدق وشفافية ووضوح، وسيلتف الجمهور حولهم عندما يرى أن همومه وتطلعاته وطموحاته وواقعه المعاش يظهر ويُناقش في هذه الوسائل، كما ستسمع الحكومة وستستفيد من الطرح الهادف، ومن وجهات النظر المختلفة التي ترتقي بفكرنا وواقعنا دون أن يكون لهذه الوسائل وجه واحد، هو "التمجيد" للمسؤولين، وتهميش الرأي الآخر، وتهميش الدور الحقيقي لوسائل الإعلام.. ودمتم ودامت عمان بخير.