التعليم أداة استثمارية منتجة

عيسى بن سعيد الصلتي

إن الكوادر البشرية المتمثلة في طلاب مؤسسات التعليم بمختلف مستوياتها لهي أحد الموارد الإنمائية لسوق العمل، وتتمحور حولها الخطط التربوية واستراتيجيات التعليم التي تهدف إلى صقلها وتنميتها معرفيا وفنيا، بغية استثمار طاقاتها الحركية وإمكاناتها العلمية بشكل ينعكس إيجابا على الإنتاج والأداء الحكومي في مختلف المجالات ومنها الاقتصاد الوطني، وهذا بطبيعة الحال لن يتسنى إلا في وجود منظومة تعليمية متجانسة مع متطلبات سوق العمل، إذ أصبح اليوم التعليم مؤشراً للتنمية، كما يقاس تقدم الدول ورقيها من خلال قوة منظومة التعليم وتطورها وفق المتغيرات والتطورات في كافة القطاعات والمجالات.

ومع تطور وتسارع المتغيرات في الاقتصاد على المستوى العالمي أصبح هناك ضرورة للتكامل بين التعليم والاقتصاد في مختلف قطاعاته، فبات ضرورة ترابط سلسلة مراحل التعليم بين مراحله من جهة وترابطه مع احتياجات سوق العمل من جهة أخرى،  ولا ريب هذا يتطلب إعداد منهجية وإستراتيجية تكاملية ناجحة بين التعليم والاقتصاد، فوجود فجوة بين المنظومتين سيورث مشكلات جمة في تنفيذ خطط ومشروعات التنمية الاقتصادية، فضلاً عن أنَّ هذه الفجوة بلا شك ستسبب مشكلات اجتماعية ومن ثم سياسية، لذا فإنَّ المواءمة بين التعليم وسوق العمل مطلب تنموي في حد ذاته ومطلب اقتصادي للتنمية المستدامة.

ولقد مرت مراحل التعليم في السلطنة خلال مسيرته منذ انطلاق النهضة الحديثة في عام 1970م، من ضرورة كمية إلى ضرورة نوعية، ولقد بات هاجس المعنيين بالتعليم والاقتصاد هو ضرورة المواءمة بين التعليم وسوق العمل، وهذا يتطلب دارسة متواصلة لاحتياجات سوق العمل في السلطنة الحالية والمستقبلية بسبب المتغيرات التي أشرت لها، ليتم على ضوء هذه الدراسات إعداد خطط تربوية قائمة على المواءمة بين المسارات الأكاديمية واحتياجات سوق العمل.

ولا شك أن هناك فرق في مفاهيم التنمية والنمو والتطوير، إذ لابد لنا أن نعرف الفرق بين هذه المفاهيم، ووفق الأدبيات الاقتصادية فالنمو هو الزيادة في الشيء كزيادة السكان ونسب العاملين في مختلف القطاعات ونسب العمالة الوافدة وغير ذلك من مجالات النمو، والتطوير هي عمليات إجرائية لتحسين الأداء المؤسسي وتطويره في مختلف المجالات، أما التنمية فهي عبارة عن تغيرات واسعة تشمل مختلف مناحي الدولة الاقتصادية والسياسية وتحسين مناحي المعيشية للمواطن من حسن إلى أحسن وفق اتجاهات محددة وواضحة تحقق أهدافها التنموية المرسومة مسبقا، من خلال عمليات مقصودة يشترك فيها المواطن والدولة على حد سواء.

ولما كان التعليم أحد قطاعات التنمية، فإن السلطنة كفلة حق توفيره لمواطنيها كحق أصيل من حقوقهم المدنية، لأنه يعد ركيزة أساسية في التنمية الشاملة، وإذا ما حظي المواطن بالتعليم الجيد المتطور المواكب للمتغيرات العالمية في مجال التعليم وما يؤثر فيه من مجالات أخرى، لا شك أن هذا سينعكس إيجابا في أداء القوى البشرية على التنمية بزيادة الإنتاجية، الأمر الذي سينعكس كذلك بالإيجاب على الاقتصاد فتتحسن معيشة المواطن المادية فضلا على أنه سيكون ذا وعي وإدراك وعلم بالعالم من حوله وما يحدث فيه من متغيرات اقتصادية وسياسية وغيرها، فهو بذلك ذا مقدرة بتقانة العصر في التواصل المعرفي الفعال، فضلا أن التعليم اليوم هو أحد رؤوس الأموال الاستثمارية في التنمية الشاملة والمستدامة.

ولكي نستطيع أن نجعل من التعليم استثمار اقتصادي يحقق متطلبات التنمية في السلطنة، فعلينا وضع التصورات والمقترحات التي تسهم في ربط سلسلة التعليم العام والتعليم العالي بسلسة سوق العمل من جهة، وهذا يتطلب إلى إعادة صياغة المنهاج الدراسية للتوافق مع متطلبات التنمية وسوق العمل العماني في الوقت الحالي وفي المستقبل من خلال التنبوء الاقتصادي بالمعطيات المنطقية والواقعية التي تعكس التغيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية في العالم،  ومن جهة أخرى النظر إلى التعليم بأنه عمليات تربوية وتعليمة لغايات إنتاجية واستثمارية في المستقبل، تعود بعائدات اقتصادية للدولة، وذلك بتبني منظومة التعليم المنتج والعمل على انشاء مؤسسات تعليمة منتجة، وأن لا يبقى التعليم مجرد خدمة تقدمها الدولة لمواطنيها بصورة تقليدية.

فالتعليم المنتج يتيح الفرصة للطلاب على اكتساب مهارات في مجال الإدارة والتجارة والاستثمار والابتكار، والتفكير الإبداعي لمستقبله المهني أو الوظيفي القائم على التنمية الذاتية في إيجاد فرص العمل، وبذلك فإن التعليم المنتج تكون مخرجاته ذو مقدرة  على إيجاد البدائل الوظيفية من ناحية، وذو كفاءة للعمل في القطاع الحكومي أو الخاص.

فعندما تتاح المساحة في مؤسسات التعليم للطلاب للاستثمار بمشاريع ذات ارتباط باحتياجات سوق العمل والمجتمع المحلي في حرم المؤسسة التعليمة، فهذا سيكسبهم مهارات الإدارة والتسويق، وقبل كل هذا مهارات التخطيط والتنظيم، كما يكتسب الطالب المعرفة بخط الإنتاج واستغلال الفرص ومُوجهات التحديات.

إنَّ التعليم المنتج لا ينحصر فقط في المشاريع التجارية الخدمية التي يحتاجها السوق المحلي  فقط، إنما يتعدى الأمر ذلك إلى مشاريع التقانة الحديثة والابتكار وغيرها من المشاريع ذات المطلب في السوق العالمي، كما أن التعليم المنتج أداة لتغيير السلوك العام في المجتمع، من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج، فالبتالي يُمكن أن نرى من مخرجات التعليم المنتج من يصنع قطاع الإنتاج في السلطنة في مختلف المجالات وبالتالي تصبح السلطنة في مصاف دول الإنتاج وينمو بذلك قطاع الصادرات غير النفطية، وبالتالي سينعكس ذلك على نمو قطاع الاستثمار والاقتصاد، فلنسرع نحو تعليم منتج.

تعليق عبر الفيس بوك