يوسف بن حمد البلوشي
ثمَّة إشادة عالمية بمدى جرأة وسرعة وعمق الإجراءات الإصلاحية التي تتخذها السلطنة في هذه المرحلة والتي لامست جميع مفاصل الحياة لأفراد المجتمع وشركات القطاع الخاص وأجهزة وكيانات الحكومة وتستهدف هذه الإجراءات تحقيق نقلات نوعية تفرضها تحديات المرحلة التنموية والجاهزية التي وصلنا إليها والتي تستلزم سلوك مسارات ذات أهداف بعيدة المدى لم نعتد عليها، وثمَّة يقين بأنَّ إعادة انبثاق الاقتصاد العماني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي لن يكون طريقاً مفروشاً بالورود، وإنما نحن في مسيرة استكمال رحلة عظيمة لوطن عظيم بأبنائه وحضارته والدرب نحو النجاح طويل وتكتنفه العديد من التحديات.
ولنتفق على أنَّ صياغة وإعداد رؤية متقنة لا يضمن تحقيقها بدون تنفيذ أمين، يصل بنا إلى النتائج المرجوة على أرض الواقع. وهذا يتطلب جهازا حكومياً كفء وفعالاً يعتمد على أساس الكفاءة والجدارة والمساءلة، ليكون الجهاز المحرك لجميع الجهات التي تعمل على ترجمة الأهداف إلى واقع. وذلك لا يتحقق إلا باستقراء التجارب السابقة وأخذ العبر منها، واستشراف المستقبل بهدف الاستجابة للمتغيرات. كما إن تحقيق التنمية المستدامة وتطوير الاقتصاد ليس مصباحا كهربائيا نفتحه ونغلقه متى نشاء، وإنما هو نتاج عمل دؤوب لفترة طويلة يشترك به الجميع لتهيئة عوامل الإنتاج وزيادة الإنتاجية وتراكمات من سياسات العامة. ولا شك أنَّ إنشاء لجنة تتبع جلالة السلطان - حفظه الله - تتولى متابعة وتقييم الأداء خطوة في مسار تحقيق الرؤية والوصول للأهداف المرسومة للجهات الحكومية المطالبة بتحقيق قفزات نوعية في الأداء وليس تعديلات وتحسينات طفيفة هنا وهناك. فالهوامش المُتاحة ضيقة والتحديات أمام السلطنة جسيمة وتتطلب رقابة لصيقة لتجويد الأداء وتعديل المسار بشكل مستمر مع المتغيرات المحلية والإقليمية.
ونظرًا لأننا في عصر العولمة والمعلومة متاحة للجميع، هناك فرق كبير بين صياغة رؤية وخطط خمسية طموحة وبين تحقيقها على أرض الواقع، فالتحدي الأزلي لجميع الدول هو التنفيذ وضمان النجاح لن يتأتى بدون مراقبة دقيقة للتنفيذ على مختلف الأصعدة وبشكل متزامن وبتنسيق تام بعيدًا عن التنظير والكلام الفضفاض. ويمكن قراءة تشكيل اللجنة على أنها الانتقال بآليات الرقابة من الإطار النظري إلى الإطار العملي تتضمن المحاسبة الفعلية لمستويات الإدارة العليا، لكل من يُقصر في تأدية واجباته في الخدمة العامة. وتوفير آليات فعَّالة لضمان المساءلة العامة لسياسات الحكومة وأدائها، والاستخدام الأفضل للموارد المالية. وتغليب مبدأ الكفاءة وتطوير قيم مؤسسية جديدة وأنظمة مساءلة ومراقبة فعالة.
كما أن الرقابة ومتابعة الأداء أمر ضروري لأخذ التغذية الراجعة لتقويم الأداء وهو جزء أصيل في أية عملية تنموية يتبع عنصر التخطيط والتنظيم والتنفيذ وفق مؤشرات أداء واضحة. ومن المعول الكثير على هذه اللجنة الدفع بضمان تنفيذ العديد من الملفات الساخنة كالتوظيف وتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية على المواطن والشركات. وهذا يتطلب تنفيذ أمين لن يحدث بدون رقابة والابتعاد عن نهج المدراس الكلاسيكية القائمة على الروتين والبيروقراطية.
نعم لدينا رؤية عمان 2040 تواكب العصر واحتياجاته وتغيراته وبمثل هذه اللجنة ستنجح وتخرج عن الأطر المعتادة حيث لابد أن نبدد الهواجس والضغوطات والسلبية ونرفع درجة الثقة وبأننا نعمل وفق خطة تنفيذية واضحة المعالم ونراقب أداءها بشكل مستمر. ويكمن التحدي الرئيسي الذي نواجهه اليوم في ترجمة الأهداف والتوجهات والأولويات الوطنية إلى خطط عمل تنفيذية ونتائج على أرض الواقع. الى جانب ذلك، فإن الرقابة على أداء الحكومة هي مسألة تضامنية ومشتركة بين كافة مؤسسات الدولة خاصة السلطة التشريعية. وعلى الرغم من ذلك، لابد من وجود جهة موضوعية مستقلة، بمعنى ألا تكون جزءا من طواقم الحكومة وأجهزتها، يتم تحديد الأدوار المنوطة بها والتي تتضمن مراقبة سياسات الأداء الحكومي وقراراته، وآليات التحقيق.
ويجب أن يتمحور الهدف الرئيسي لهذه اللجنة حول مراقبة ومتابعة الأداء الحكومي، وتعزيز الأداء الرسمي لموظفي الدولة، ورفع كفاءتهم وزيادة اتصالهم وتفاعلهم مع أفراد المجتمع وشركات القطاع الخاص. الأمر الذي يسهم في زيادة الانتماء من المواطنين تجاه مؤسساتهم من جهة، ورفع كفاءة العاملين من جهة أخرى. ويمكن أن يقوم عمل اللجنة على مستويين: الأول استراتيجي، من حيث ضمان أن مؤسسات الحكومة مجتمعة تعمل في اتجاه تحقيق أهداف واضحة ومحددة لتنعكس على سياسات وبرامج. والمستوى الثاني هو المستوى التنفيذي، من حيث ضمان أن المؤسسات تعمل بفاعلية وكفاءة.
ودور هذه اللجنة قد يختلف عن دور جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، حيث يقتصر عملها على فئة الإدارة العُليا في المؤسسات الحكومية. ومن المتوقع أن تعمل اللجنة على وضع المعايير التقييمية، ووضع مؤشرات الأداء بما في ذلك تحديد المستويات المستهدفة والأطر الزمنية. كما يمكن أن يدخل في نطاق عمل اللجنة، تحليل الثغرات في الأداء واقتراح الإجراءات اللازمة لمعالجتها. ويمكن لهذه اللجنة معالجة أحد أهم التحديات الرئيسية في العمل الحكومي، والذي يتمثل بالوصول إلى إدارة حكومية أفضل لتحقيق نتائج أفضل. حيث يركز العمل الحكومي في كثير من الأحيان على العمليات والإجراءات بدلاً من تركيزه على النتائج. كما أن الأمور التنفيذية تشغل القسم الأكبر من أوقات الوزراء والوكلاء مما يؤدي إلى تكريس وقت أقل للتخطيط الاستراتيجي ووضع السياسات العامة، بالإضافة إلى مركزية اتخاذ القرارات، مما يضعف المساءلة في المستويات الإدارية الأدنى، وضعف القدرات المؤسسية.
ومن حسن الطالع أن يأتي إصدار هذا المرسوم، بالتزامن مع إطلاق خطة التنمية الخمسية العاشرة، كأول خطة تنفيذية لرؤية "عُمان 2040"، والتي ترسم التصور المنشود للسلطنة خلال العقدين القادمين على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وعكست رغبة المواطن في التقدم والازدهار، حددت الأهداف الاستراتيجية التي ستلتزم بتحقيقها الحكومات المتعاقبة لبلوغ هذه الأهداف. الأمر الذي يتطلب وجود إدارة حكومية تتمتع بالفعالية والكفاءة وتخضع للمساءلة.
وختاماً.. إننا على يقين بأنَّ جميع من حظي بشرف خدمة عُمان في نهضتها المتجددة هم أهلٌ لثقة وخدمة عمان، لكن يبقى الإنسان هو الإنسان وهناك حاجة ملحة لزيادة الجرعة الرقابية والمساءلة لضمان الصمود في مواجهة رياح التغيير التي تهب من كل حدب وصوب. والخيار بأيدينا بأن نجعل سنوات الخطة الخمسية القادمة، سنوات يعصر الناس وفيها ويغاثون أو سنوات انطلاقة وهذا يتطلب همة وعزيمة وجسارة من الجميع والابتعاد عن المدرسة التقليدية وإدخال تعديلات شكلية. فلدينا رؤية واضحة بأن نصل إلى مصاف الدول المتقدمة وهذا ممكن بكل الموارد والمقومات والفرص التي لدينا. والخيار بأيدينا.