مدرين المكتومية
كان الترقُّب خلال اليومين الماضيين سيد الموقف، فمع إعلان تلفزيون السلطنة في خبر عاجل عن صدور مراسيم سلطانية "بعد قليل"، انصبَّ تركيزي وتركيز زملائي في صالة التحرير بجريدة "الرؤية" على مُتابعة ذلك الحدث، خاصة وأنَّ الإعلان المُسبق عن صدور مراسيم سلطانية؛ يُنبئ بأن ثمَّة أمرا جلل سيحدث، وهو ما قد كان.. فبعد ترقُّب شابَه الكثير من التخمينات والترجيحات، فضلا عن تداول أنباء غير صحيحة عن إجراءات جديدة أو تغييرات في مؤسسات الدولة... وغير ذلك، جاء الخبر اليقين مع تلاوة مذيع النشرة للأخبار، وقراءة نصوص المراسيم؛ حيث أعلن صدور مرسوميْن سلطانييْن، يقضي الأول بإصدار نظام أساسي جديد للدولة، فيما ينص الثاني على إصدار قانون مجلس عُمان.
ولقد برهنتْ التفاصيل الخاصة بالنظام الأساسي للدولة، الذي جاء في سبعة أبواب تضم 98 مادة، الحكمة السامية والرؤية الثاقبة النافذة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لإرساء نظام حكم مستقر، شامخ كشموخ جبال عُمان الشاهقة، راسخ رسوخ الراسخات، يحافظ على استقرار الوطن ووحدة أراضيه، كما أنه -وبحسب ديباجة النظام- يمثل صونا للوطن، وحفاظا على أرضه، ووحدته، ونسيجه الاجتماعي، وحماية لمقوماته الحضارية، كما يرسخ لمكانة عُمان الدولية، ودورها في إرساء أسس العدالة، ودعائم الحق والأمن والاستقرار والسلام بين مختلف الدول والشعوب.
إنَّها مسيرة النهضة المتجددة بروح مفعمة بالنشاط والحيوية، والرغبة الصادقة والتطلع الخالص الأمين في ترسيخ البناء العماني وتعضيد أركانه، وقيادة وطننا العزيز نحو مصاف الدول المتقدمة.
ولفت انتباهي الصياغة المُحكمة لمواد ونصوص النظام الأساسي للدولة، وأبهرتني قدرة المشرِّع العماني على صياغة العبارات والجمل بكلمات واضحة لا تقبل أي تأويل أو تفسير غير الذي يقصده، وهذا يدل على الحرص الشديد على دعم أركان الحكم والدولة.
وأبرز ما تضمنه النظام الأساسي للدولة بكل تأكيد هو ذاك الباب الخاص بالدولة ونظام الحكم؛ حيث تنص المادة (5) على أن: نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السلطان تركي بن سعيد بن سلطان، وذلك وفقا للأحكام الآتية: تنتقل ولاية الحكم من السلطان إلى أكبر أبنائه سنا، ثم أكبر أبناء هذا الابن، وهكذا طبقة بعد طبقة، فإذا توفي الابن الأكبر قبل أن تنتقل إليه ولاية الحكم انتقلت إلى أكبر أبنائه، ولو كان للمتوفى إخوة. إذا لم يكن لمن له ولاية الحكم أبناء فتنتقل الولاية إلى أكبر إخوته، فإذا لم يكن له إخوة تنتقل إلى أكبر أبناء أكبر إخوته، وإذا لم يكن لأكبر إخوته ابن فإلى أكبر أبناء إخوته الآخرين، بحسب ترتيب سن الإخوة. وإذا لم يكن لمن له ولاية الحكم إخوة أو أبناء إخوة تنتقل ولاية الحكم إلى الأعمام وأبنائهم على الترتيب المعين في البند (الثاني) من هذه المادة. ويشترط فيمن يتولى الحكم أن يكون مسلما، عاقلا، وابنا شرعيا لأبوين عمانيين مسلمين.
أما المادة (6) فتقول: إذا انتقلت ولاية الحكم إلى من هو دون سن الحادية والعشرين، يمارس صلاحيات السلطان مجلس الوصاية الذي يكون السلطان قد عينه بإرادة سامية، فإذا لم يكن قد عين مجلسا للوصاية قبل وفاته، قام مجلس العائلة المالكة بتعيين مجلس وصاية مشكل من أحد إخوة السلطان واثنين من أبناء عمومته. ويصدر بنظام عمل مجلس الوصاية مرسوم سلطاني.
نحن إذن أمام مواد دستورية بالغة الإحكام، توضح بما لا يدع أي مجال لتأويل أو تفسير كيفية انتقال ولاية الحكم، بكل سلاسة وهدوء ورسوخ في الإجراءات والخطوات. ولا شك أن انتقال ولاية الحكم بهذه السلاسة والوضوح من شأنه أن يزيد من رسوخ الاستقرار السياسي في البلاد، الأمر الذي سيعود بمنافع عظيمة على اقتصادنا الوطني ومكانة عمان الدولية، فضلا عن نشر الطمأنينة بين مختلف فئات المجتمع.
... إن النظام الأساسي للدولة بما نص عليه من آلية محددة ومستقرة لانتقال ولاية الحكم، إلى جانب ما تضمنه من نصوص تكفل الحريات والحقوق وتنص على الواجبات لكل مواطن، وأيضا ما أرساه من مبادئ دستورية عامة تحدد ملامح الدولة وأولوياتها، خاصة في مجالات مثل التعليم والبحث العلمي والابتكار والحماية الاجتماعية والصحة العامة، وغير ذلك من اهتمامات.. كل ذلك يؤكد أننا أمام نقلة نوعية وغير مسبوقة لمسيرة النهضة، التي تجددت بما أرسته الإرادة السامية من قوانين وتشريعات وبما صدر عنها من أوامر سامية وتوجيهات، والفائز الأول هو الوطن والمواطن، لضمان الخير والاستقرار والرخاء.