هل نجيد التجارة؟ جسر هيماء نموذجًا

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

‏‎التجارة والتاجر وعلى مر الزمن ارتبطا بالمال والغنى ومنها انطلق الأفراد والدول إلى الريادة والقيادة والواجهة وحتى إن شابت أيامهم بعض الأخطاء والمصاعب كان المال أفضل وسيلة للتغطية على الكثير.

لكن هل كل ذلك كان سببه المال وإذا أجبت بنعم فمن الذي نجح أن يكون ذا مالٍ وتجارة واستدامة أليست العقول والأفكار والعلم وتسخير المتوفر من عناصر وعوامل القوة ولماذا وصف الذين كوّنوا كل ذلك بالناجحين. وإذا كان الحالُ بذلك أفراداً فهل أن الدول نجح بعضها أن تكون هذه الصفة حديث العامة والخاصة بل وجعلوا مع كل توجه أو مشروع من هم معنيون بالمصالح التجارية بل وعلى مر التاريخ أن بعض الدول ومع اختيار أي مسؤول لوظيفة هامة كان هناك مراعاة لهذه الصفات الشخصية وهل أن كل زمانٍ كانت له صفةٍ سائدة مألوفة قد تكون غريبة كل الغرابة في زمان آخر له أسلوبه في البحث عن المال والرفاهية حتى وإن كانت على حساب دول وشعوب أخرى قد تترك فقيرة ومستعبدة ليكون شعب آخر قوياً ومتنعماً بخيرات غيره، نعم قد يكون القبول بهذا المنطق بعيداً عن النظرة السوية للإنسان ولكن من جانب آخر فهل البقاء على قيد الحياة غريزة وجود تتعدى ذلك بمراحل وهو السبب في استمرار شعوب وخروج أخرى لم نعد نعلم عنها شيئاً إلا في الكتب.

‏‎عالم اليوم هو أكثر تنظيماً في سيطرة القوي على الضعيف ولقد أوجد الأقوياء لأنفسهم أساليب كثيرة وغير محدودة منها إلزام بعض الدول باقتناء منتجاتها لأن لا بديل لهم عنها وكذلك بأساليب الاتفاقيات غير المتوازنة أو العادلة ومنها بالحماية وإثارة جوانب داخلية، وفي النهاية فإنَّ الهدف لأي دولة هو السيطرة على أكبر قدر ممكن من مقدرات الدول والشعوب. وبهذا المال تشتري القوة وتجحفل الجيوش وتقوم بفرض دائرة مُغلقة للمال وبالمال يحمي بعضه البعض وإنه وباختصار كبير فإنَّ الدول التي تعمل وتجعل من المال وحمايته وتنميته والسيطرة عليه وتعمل بجد لتقويته فإنِّها تستطيع أن تعيش بين دول العالم مهابة الجانب ومتماسكة من الداخل وأما الدول التي تعيش بالأماني والعاطفة الفكرية فإنها تكون في مطبات دائمة وتتبادل اللوم ولا تهنأ فعلياً بحياة طيبة ومستقرة وإن حدثت في فترة معينة تكون لأسباب وقدرة مالية محدودة وفي مراحل معينة من عصرها.

‏‎الاستدامة المالية تعنى الأسس الصحيحة والسليمة والعمل يكون واضحاً من خلال رؤية جماعية ومن أهم ما يحمي ذلك العمل الجماعي هو الثقة الكاملة في أن ما يقوم به الفرد مُقّدر وأن تقصيره محاسب عليه وبكل حزم وأن أمواله وصرفتها والتعامل معها في أيدٍ أمينة مختارة بعناية فائقة يكون من خلالها العمل الجماعي شعاراً وسلوكاً على مستوى أي أمة. وكما اعتدت عليه دوماً أن أضع أصغر الأمثلة لإيماني المطلق بأن السيل الغزير هو جمع من قطرات المطر، أرى هذه الأيام أن أعمالاً هندسية توحي بعمل جسر على الطريق الرئيسي المتجه إلى محافظة ظفار وتحديداً في ولاية هيماء وهنا افتح المجال للفكر والنقاش ومن الجميع لوضع الأسس للقرار والمصلحة الوطنية العليا، فإذا كانت إقامة جسر في مركز  المدينة فإنه أولاً سيأخذ حيزاً وإشغالاً لما تبقى من مدينة هيماء التي شخصياً أنظر إليها أن تكون وبسبب موقعها الأكثر من رائع بل والاستثنائي على مستوى السلطنة والحاجة الفعلية لكل سالكي الطريق للخدمة والمتنزهات وألعاب الأطفال وأن يكون لها مستقبل تجاري واعد على درجة كبيرة من الأهمية وأما وإذا كان التخطيط والنظر إليها كنقطة عبور فإنه من يرى أن للجسر أهمية فإنِّه لم ينظر إلا من زاوية واحدة فقط.

‏‎هيماء تقع على مسافة 500 كم من مسقط و500 كم من صلالة في صحراء شاسعة فهل من الأفضل أن نعمل على استغلالها بالراحة الشبه الإلزامية وتوسيعها وعمل الكثير من الخدمة أم أن تكون فقط للعبور. هناك من سيقول إن من له حاجة سيتوقف والآخر سيعبر الطريق وهنا الفرق الفعلي في النظرة التجارية والنظرة القصيرة بين المفكرين فإنَّ باباً أو لوناً أو كتابة على محلٍ معين يمكن أن يكون سبباً للنجاح فماذا عندما يكون التصميم بفكر تجاري يساعد على استغلال ما يُمكن استغلاله.  قال الله تعالى: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) صدق الله العظيم.

‏‎وهنا وفي الآية الكريمة الدعوة لذهاب الناس إلى مكان ما هو سبب للرزق، فكيف للإنسان أن يجد نفسه محاطاً بأعداد كبيرة ومتباينة من البشر ولا نحاول أن نستغل ذلك بأفضل ما يكون، وأخيراً فإنَّ وجهة نظري قد تكون صائبة أو دون ذلك ولكن وعلى أي حال فإنها دعوة للتفكير وفتح آفاق وأرضية للأفكار المناسبة والأفضل لمصالح الوطن العليا وتمشيا مع رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله-.

الأكثر قراءة