الربيع العربي: هل كان حلما وانطفأ؟

 

عبد الله العليان

في هذا الشهر وما قبله يكون قد مر عقد من السنين، عندما بدأ حراك الشباب فيما عرف بـ"الربيع العربي"، وما صحبه من احتجاجات ومطالبات شعبية في جوانب عدة، والذي عم العديد من الدول في الوطن العربي، بصورة متتالية تفصل بينهما أسابيع بين دولة وأخرى، مع أن هذا الحراك الاحتجاجي السلمي، لم يكن منظماً ومنسقاً بين هؤلاء الشباب في تلك الدول، ولا توجد قيادات لهذا الحراك التلقائي العفوي.

وكانت المطالبات في الجانب الاجتماعي تحتل المقام الأول، بينما البعض الآخر كانت له مطالب سياسية، لذلك فإن الشعوب كحالة نفسية وطبيعية، لا تميل للثورات أو الحروب والتوترات كحالة ثقافية متأصلة، وتعشق الاستقرار في مجتمعاتها الهانئة، خاصة المجتمعات التي ليست لها منابت للعنف وعدم الاستقرار، إلا إذا جُرت إليه جرًّا لأسباب تتعلق بخطر يمس حياتها، أو إذا وصلت إلى ما يسمى بـ"عنق الزجاجة" في معيشتها، وهذه ربما تكون في حالات وتراكمات بعينها وليست عامة في كل الأمم، فالشعوب التي ترى في الأفق الكثير من الآمال والإصلاح، تعبر عنه من خلال الرأي وحرية النقد، باعتباره السبيل الأمثل لإرسال ما تراه أسلوباً حضارياً لكل المطالب التي تستحق الطرح للدولة ومؤسساتها.

و"الربيع العربي" في 2011، كان حالة نادرة في الواقع العربي، ولم تظهر له مقدمات، أو تمظهرات قادت له ذلك الحراك السلمي، وإنما أتى من غير توقعات، وهذه حالة خالفت الكثير من المستقرات منذ قرون مضت، وقد شارك فيه الجميع، كما أن هذا الحراك لم يقده تيار فكري أو سياسي، كون الأمر جاء بسبب ما حدث للبائع محمد البوعزيزي التونسي، عندما حرق نفسه بعدما منعته الشرطة من عرض ما عنده من معروضات للبيع، وجاء الرد قويا ومعاكسا لهذا الشخص الذين رأوا في منعه تدميرا لمعيشته وانتهاكاً لحقوقه، وقد شارك في هذا الحراك الجميع كما أشرنا، لكن ربما العيب أن أصحابه لا يعرفون كيف ستسير الأمور بعد ذلك؟ أو كيف ستكون ردات الفعل تجاه هذه التلقائية من الخروج للشوارع من الجانب الآخر؟

ويرى السياسي الأمريكي الشهير هنري كيسنجر في أحد لقاءاته عن الحراك العربي في ذلك الوقت: "أن المحتجين الغاضبين يعرفون جيداً كيف يلتقون، ولكنهم بعد أن يسقط النظام لا يعرفون ماذا يريدون أن يقدموا". فهذه التلقائية كانت مفاجأة للجميع -للمحلل المتخصص، وكذلك السياسي الذي بيده مقاليد الأمور- لكن للحق أن الغرب بحكم أن له مراكز للبحث، أو ما يسمى بـ"مراكز صناعة القرار"، يتعّرفون على نبض الشعوب، من خلال البحث والاستقصاء ودراسة الحالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وإدراك ما يريد الرأي العام وما يدور في ذهنه وعقله، وهذه بلا شك من إيجابيات الديمقراطية والحريات في الغرب، التي تهتم بما يدور من أفكار وتصورات وانبعاثات فكرية وسياسية واجتماعية من الواقع، لكن النخب السياسية في عالمنا العربي لا ترعي اهتماماً لهذه المراكز البحثية، سواء للجانب الداخلي، أو البحوث والدراسات المتعلقة حتى بدول الجوار وما يدور فيه سياسيًّا! وهذه سلبية لافتة وغريبة، أن يتم تجاهل مراكز البحث التي تستطلع ما يدور، لذلك فالمفاجأة التي حصلت للربيع العربي، كانت بسبب عدم معرفة ما يدور في الواقع الداخلي العربي في الدول التي أصابها هذا الزلزال في بعض دوله، وغياب البحث والاستقصاء، وهذه إحدى المشكلات التي تم تجاهلها.

قال لي أحدُ المثقفين من بلد عربي خليجي، إنه قابل أحد المسؤولين المهمين في ذلك البلد قبل أحداث الحراك العربي في 2011، وقال له: لماذا لا يتم إنشاء مركز بحث لديكم من أجل صناع القرار وللجهات ذات الاهتمام في بلدكم؟ فجاء رده على هذا الاقتراح: أننا لا نحتاج لمراكز بحث، ولا نهتم لذلك؟! وهذا بلا شك جزء من غياب الفهم وعدم إدراك التحولات والتغيرات في عالم اليوم، والتغيير الذي تم في عقلية الجيل الجديد، وما يدور في ذهنه ورؤيته تجاه واقعه وواقع العالم المفتوح الذي أصبح قرية يتجول فيها من خلال الثورة المعلوماتية الهائلة.

... إن الإشكالية التي جرت أن أسباب التطوير وإصلاح الواقع السلبي المتراكم، كانت أحد أسباب ما جرى، مما راكم الكثير من السلبيات، وأدى إلى مشكلات كبيرة لبعض الدول التي قابلت هذه المطالب في بدايتها بالرفض واستخدام بالقوة المفرطة، فانفلتت الأمور إلى صراعات وتوترات وتدخلات خارجية، وبعض الدول نجت من ذلك من خلال تحقيق بعض المطالب، وتم امتصاص هذا الغضب والقصة بعد معروفة للجميع!

ومن خلال قراءاتي لعشرات الكتب والأبحاث، لما قبل الربيع العربي، وما بعده، عمَّا جرى في ذلك، وأسبابه الحقيقية، فإنَّ الفسادَ الذي يعشش ويتخفى في المجتمعات، هو السبب الأساسي لما حدث، كما أن الرافد الذي أسهم في تغلغله، هو غياب الشفافية والحرية التي هي أثمن من كل شيء في حياة الإنسانية. ومن خلال  متابعتي لحركة الشباب العربي في ربيعه الشهير أجد الميل الشديد لقضية الحرية والكرامة الإنسانية، والتطلع لبناء أوطان قوامها السير نحو التقدم والنهوض، وفي ظل الشفافية وحرية الرأي، ومحاسبة المفسدين، وقانونية القرارات العمومية التي تمس حياة المواطن ومصيره ومعيشته، وهذا ما برز في الشعارات التي رفعت في هذه الاحتجاجات.

وختامًا.. إن التجديد والإصلاح والتغيير أدوات مهمة لأبعاد التوترات والمشكلات والاحتقان، وهذا يتطلب أن يكون المسؤول مخلصاً للوطن وتقدمه ونهضته، بعيداً عن مصالحه الذاتية والفئوية.