عامٌ على الجائحة.. دروس وعبر

 

 

رحمة بنت منصور الحارثية

 

أخصائية نفسية

 

أوصد الناس أبوابهم ودخلوا غرف الحجر طوعاً وكرهاً. تقطعت السُبل بين البيت الواحد.على الرغم من أن الأوبئة كانت بذات الحال إلا أن التقدم التكنولوجي نقل الصورة بشكل أدق، لا مسافات بين الدول قطعها بطرفة عين وجعل العالم كالبيت الواحد وأمسك بقبضة يديه عجلة السرعة وأطبق على أنفاس البُطء، قطع آلاف الكيلومترات في ثوانٍ بضغطة زر يتجول حيث أصاب، ناقلاً المعلومات كالسيل يتلقاها الناس بمختلف الأعمار واللغات يُهاجم جسدياً ونفسياً ويُصَوِب سِهامه على المصاب فيتركه بين تعذيب جسدي ونفسي.

وما أن أصاب فرد أو جماعة إلا وحمل أمتعته دون رحمة لصغير وتوقير لكبير، فُرض الحجر وبات العالم في معزل، كل ظرف يُفرض لابد وله إيجابيات وسلبيات وتحديات على الفرد والمجتمع. وتمثلت إيجابياته في (الحوار الأسري، العمل بالبيت، ممارسة الهوايات، تنظيم وقت النوم والغذاء، مُراجعة النفس، زيادة روابط وانتماء الأسرة، اكتشاف المهارات، التفرغ، الهدوء) لكن سلبياته (الملل، العنف الأسري، الخمول، السمنة، اضطراب النوم والأكل، الوحدة، التوتر، الهلع، عدم التأقلم، وقت أطول على الإنترنت، اضطرابات نفسية). كل ذلك مشاهد التقطتها عدسة كورونا وهو يُراقب الأوضاع المستتبة لنظامه المفروض، يرسم ملحمة لتضحيات الصفوف الأمامية والأمنية والإعلامية والتطوعية والمآسي التي فرضتها ظروف العزل.

مشاهد تعجز عن وصفها الأقلام والعدسات؛ جثامين تُوارى الثرى دون وداع، أسرّة مُكتظة، لُبِست الكمامات وتاهت الملامح، القفازات تقول عذراً لا مساس، التعقيم، لا لحضن أقرب الناس، لا تجمع لفرح وحزن، دور العبادة والتعليم والسفر أغلقت، الكل عاكف على هاتفه، أُسرّ تباعدت وأُسر تقاربت، ناس التزمت، ناس زادت شكوكهم، زادت نسبة العنف والطلاق والزواج، ظهرت ابتكارات، طالت مدة الحجر وزادت دوافع كسره. الأطفال تأثروا نفسياً. زاد انتظارهم، شوقهم للعب والمدرسة، الخوف، العنف منهم وعليهم، وسواس النظافة، الشاشات أصبحت السبيل للتسلية والتعليم، عاشوا بعالم افتراضي، عزلة، تأخر الكلام والكتابة. دراسات نفسية عن تأثير الأوبئة لاحظوا أنَّ المجتمعات تواجه موجات من الخوف والتناقضات القِيمية والسلوكية.

لا معلومات كافية عن الأوبئة، فيما تعكف مختبرات عديدة لإيجاد لقاح؛ حيث يشهد العالم تجربة واسعة للتحصين، فهناك دول بدأت ودول تترقب وصوله. ومنذ الأزل واجه البشر أزمات أودت بحياة الكثيرين ولم تمت آثارها النفسية؛ لها آثار جسدية ونفسية طالت التركيبة النفسية للأجيال وأسلوب حياتهم والقِيم. مثال الطاعون تتناقله الأجيال!!

بإذن الله كورونا يحزم أمتعته وسيرحل حال أوبئة لم تمكث طويل أمد، لكنه خلّف ضحايا وخلف دروسًا وعِبر لمراجعة النفس من كل النواحي.

تعليق عبر الفيس بوك