ترجمة- الرُّؤية
لا شك أنَّ 2020 هو عام الوباء بامتياز، تلك الأزمة الصحية العنيفة التي لا تحدث في القرن سوى مرة واحدة، فقد أصاب المرض أكثر من 70 مليون شخص، ومن المحتمل أن يكون العدد الحقيقي للمصابين 500 مليون أو أكثر ممن لم يتم تشخيصهم مطلقًا، لكن ظهرت عليهم الأعراض كاملة، كما تسبب الوباء في تسجيل 1.6 مليون حالة وفاة، مع إغفال تسجيل مئات الآلاف الآخرين أيضًا. فيما يُعاني الملايين من المتعافين من الإرهاق والأضرار الصحية الناجمة عن "فيروس كورونا طويل الأمد"، وهو الوصف الذي أطلقه العلماء على حالات كورونا المزمنة.
وفي تقرير موسع نشرته مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، فخلال عام 2020، انخفض الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة 7% على الأقل مقارنة بما كان متوقعًا، وهو أكبر تراجع منذ الحرب العالمية الثانية. غير أن تقرير المجلة أبدى تفاؤلا من قاعدة أن من رحم الأزمات تولد الفرص..
ويرصد التقرير سبباً آخر للتفاؤل والتغيير، وهو أن فيروس كورونا كان بمثابة تحذير للعالم، فنحو 80 مليار حيوان يتم ذبحها من أجل الطعام والحصول على الفراء كل عام، هي من عوامل ظهور الفيروسات والبكتيريا التي تتطور إلى مسببات الأمراض البشرية القاتلة كل عقد أو نحو ذلك.
كما كانت السماء الزرقاء الصافية التي ظهرت مع دخول الاقتصادات العالمية في حالة الإغلاق العام، دلالة قوية على كيفية أن كوفيد-19 يمثل أزمة سريعة الحركة داخل أزمة بطيئة الحركة تشبهها في بعض النواحي. ومثل الوباء، فإن تغير المناخ لا يمكن إنكاره، حيث يتسبب في اضطراب عالمي، وسيكون التعامل معه أكثر تكلفة في المستقبل إذا ما أُهمل الآن.
والسبب الثالث لتوقع التغيير والتفاؤل، أن الوباء سلط الضوء على الظلم؛ فقد تسبب في حرمان الأطفال من مدارسهم، وغالبًا ما كانوا يعانون من الجوع أيضاً. كما تعرض خريجو الجامعات وخريجو المدارس لإحباطات متتالية في عام الوباء. وتحمل الأشخاص من جميع الأعمار الشعور بالوحدة أو العنف المنزلي خلال فترة الإغلاقات. وتعرض العمال المهاجرون للفصل والتسريح وعادوا مجبرين إلى بلداتهم حاملين المرض معهم، كما تفاقم العنف العنصري، وكان من المرجح أن يموت مواطن أمريكي من أصل إسباني يبلغ من العمر 40 عامًا بسبب كوفيد-19 بمعدل 12 مرة أكثر مقارنة بأمريكي أبيض من نفس العمر. وفي ساو باولو، كان من المرجح أن يموت البرازيليون السود تحت سن 20 عامًا مقارنة بالبيض.
ومع تكيف العالم مع بعض هذه الآثام، ازدادت الأوضاع سوءًا؛ حيث تشير الدراسات إلى أن حوالي 60% من الوظائف في أمريكا التي تدفع أكثر من 100000 دولار يمكن القيام بها من المنزل، مقارنة مع 10% من الوظائف التي تقل رواتبها عن 40000 دولار. ومع ارتفاع معدل البطالة في 2020، ارتفع مؤشر MSCI لأسواق الأسهم العالمية بنسبة 11%. وفي أسوأ الأحوال، تعتقد الأمم المتحدة أن الوباء قد يهبط بأكثر من 200 مليون شخص في دائرة الفقر المدقع. ومن المتوعق كذلك أن تتفاقم محنتة الفقراء على أيدي المستبدين والطغاة المحتملين الذين استغلوا الفيروس لإحكام قبضتهم على السلطة في عدد من الدول.
وترى المجلة في تقريرها أنه لما تم ذكره من أسباب، كانت الأوبئة بيئة خصبة لتفجر الاضطرابات الاجتماعية في الماضي.
وفحص صندوق النقد الدولي أوضاع 133 دولة خلال الفترة من 2001 إلى 2018 ووجد أن الاضطرابات تصاعدت بعد حوالي 14 شهرًا من ظهور المرض، وبلغت ذروتها بعد 24 شهرًا. وكلما زاد عدم المساواة في المجتمع، ازدادت الاضطرابات، ولذلك يحذر الصندوق من حلقة مُفرغة يزيد فيها الاعتراض على المصاعب التي بدورها تغذي الاحتجاجات العامة.
وتشير المجلة إلى أنه من حسن الحظ، أن فيروس كورونا لم يؤد إلى الحاجة إلى التغيير فحسب، بل أيضًا الحاجة إلى المضي قدما في مسيرة التطوير. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الفيروس كان بمثابة محرك للابتكار، ففي ظل الإغلاقات، زادت حصة التجارة الإلكترونية من مبيعات التجزئة الأمريكية في 8 أسابيع، مقارنة بالسنوات الخمس السابقة. ومع عمل الموظفين من المنزل، انخفضت معدلات التنقل عبر مترو أنفاق نيويورك بأكثر من 90%. وبين عشية وضحاها تقريبًا، بدأت مؤسسات مثل مجلة ذي إيكونوميست يديرها العاملون فيها من غرف المنازل أو من على طاولات المطابخ!
ويشير تقرير المجلة إلى أنَّ الوباء يمثل دليلًا على إمكانية تغيير الواقع، حتى في قطاعات مثل الرعاية الصحية، بدعم من رأس المال الرخيص والتكنولوجيا الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وربما الحوسبة الكمية.
ويحث التقرير في نهايته، الحكومات على أن تستوعب دروس الوباء، وأن تركز على السياسات التي تعزز من كرامة الفرد وزايدة الاعتماد على الذات وتحفيز مشاعر الفخر الوطني. ويطالب التقرير الحكومات كذلك بإعادة صياغة مفاهيم الرفاه الاجتماعي والتعليم، وأن تتضافر الجهود من أجل فتح آفاق أوسع أمام كل مواطن، والأهم من ذلك كله، أن تعكف الدول على صياغة عقد اجتماعي جديد مناسب للقرن الحادي والعشرين.