بيت العجائب والتاريخ المشترك

 

د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

 

من الأخبار التي تمَّ تداولها مُؤخرًا سقوط أجزاء من بيت العجائب House of Wonders  في زنجبار. يُعد هذا القصر أيقونة معمارية فريدة في ساحل إفريقيا الشرقي، ومفخرة تاريخية عُمانية في تلك البقعة الجغرافية التي ارتبطت بعُمان بصلات حضارية وطيدة امتدت لأكثر من ألفي عام.

ويقع بيت العجائب في المدينة الحجرية  Stone Town مُقابل الميناء، وتمّ بناؤه عام 1883م في عهد السلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار الذي حكم خلال الفترة من (1870-8818م). عُرف عن هذا السلطان اهتمامه بالجوانب الحضارية إبّان حكمه لسلطنة زنجبار. ومن خلال سفراته المتعددة  إلى الهند ومصر ولندن وباريس يبدو أنَّه تأثر بالفنون المعمارية في تلك الأماكن؛ لذلك شرع في بناء هذا القصر الذي سُمي ببيت العجائب ولا غرابة في ذلك البتة؛ فقد كان يتألف من ثلاثة طوابق ازدانت أبوابه ونوافذه بنقوش بديعة بالخط العربي للشيخ سالم بن مُحمد الرواحي وأخيه عبد العزيز. وكان يُنار بالكهرباء، كما احتوى على مصعد كهربائي؛ مما جعله تحفة معمارية فريدة في زمانه ليس في زنجبار فحسب، وإنما في عموم منطقة شرق إفريقيا.

ونظرًا لقيمته الحضارية والتاريخية فقد أدرجته مُنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)اليونسكو(عام 2000م ضمن قائمة التراث العالمي اعترافًا من هذه المنظمة العالمية بأهمية هذا المعلم للإنسانية. ومن أجل الحفاظ على التاريخ المشترك بين عُمان وزنجبار، وترسيخًا للعلاقات الحضارية المتجذرة بين الجانبين واستثمارها؛ وقعّت حكومة السلطنة مُمثلة بوزارة التراث والسياحة- في أكتوبر 2019- على مناقصة إعادة تأهيل بيت العجائب، وأُسندت المناقصة لشركة إيطالية متخصصة في ترميم المعالم التاريخية. وكان من المقرر أن تستغرق أعمال الصيانة والترميم خمسة عشر شهرًا إلا أنّها توقفت بسبب جائحة كورونا مع مطلع هذا العام وفقًا للبيان الذي أصدرته وزارة التراث والسياحة المشرفة على هذا المشروع. وكما تمّت الإشارة في صدر المقال انتشرت أخبار تهدم أجزاء من بيت العجائب وحتى اللحظة لم تتبين الأسباب الحقيقية وراء ذلك، وربما تكشف التحقيقات هذا الأمر في قادم الوقت. وفي هذا الصدد أكّدت الوزارة على "أنَّ التأمين الشامل يُغطي المناقصة التي أُسندت للشركة المنفذة التي تتحمل مسؤولية ما يجري في الموقع منذ تسليمه لها وفق العقد".

وإزاء ذلك حدث نقاش في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الأسئلة التي طرحت وبقوة ماذا تستفيد عُمان من ترميم بيت العجائب في زنجبار؟ كما أسلفت أنّ بيت العجائب يُعد أحد المعالم التاريخية من التراث المادي التي ترمز إلى التاريخ الحضاري لعُمان في شرق إفريقيا، وهو تراث إنساني مشترك ينبغي الحفاظ عليه وصيانته. كما أنّ هذا المعلم بعد ترميمه سيضم قاعات مُتعددة يمكن توظيفها متحفيًا للحفاظ على التاريخ الحضاري لعُمان خاصةً المرتبط ارتباطاً وثيقاً بعموم منطقة إفريقيا الشرقية على اختلاف دولها في الوقت الحاضر. ومن المعلوم أنّ زنجبار تشهد جذبا سياحيا كبيرا، وبيت العجائب يُعد قبلة رئيسية للسياح على اختلاف جنسياتهم ومن خلالهم يُمكن الترويج للسلطنة سياحيًا.

وتأسيسًا على ما تقدَّم يُعتبر بيت العجائب نموذجًا من بين عشرات النماذج التي تحكي قصة الصلات الحضارية التي نسجتها عُمان مع مختلف الشعوب المطلة على المحيط الهندي خلال حقب زمنية طويلة. وعليه؛ فإنّه من الأهمية بمكان من وجهة نظري اهتمام السلطنة بعلاقاتها التاريخية القديمة وإحيائها؛ بل الأهم من هذا وذاك تقوية هذه العلاقات المتجذرة، والبناء عليها بما يخدم توجهات السلطنة الحالية والمُستقبلية اتساقًا مع "رؤية 2040" ثقافيًا واقتصاديًا. وكخاتمة لهذا المقال أتساءل لماذا لا يكون لدينا في السلطنة مركزًا للدراسات والأبحاث الاستراتيجية يُعنى بمنطقة المحيط الهندي؟