"لا مساس بالراتب".. هل أصبحت جملة من الماضي؟

 

عبدالمجيد الراشدي

عندما سمعت وقرأت المنشور الخاص بالعلاوة الدورية لم يساورني الشك ولو للحظة بأنَّه شائعة، وكنت أنتظر صدور الإعلان الصحيح بشأنها، حقيقة لا يوجد أي مبرر لعدم دفع العلاوة كونها قانونا مستحقة في ميعادها وهو الأول من كل يناير ولا توجد صلاحية أو سلطة لمنع صرفها أو الانتقاص من مقدارها إلا في الأحوال التي حددها القانون، وغالباً لأسباب تأديبية، والنصوص القانونية بشأن العلاوة صريحة وواضحة لا لبس فيها ولا مبرر قانوني للاجتهاد في مورد النص، كما أن تلك النصوص آمرة لا يجوز مخالفتها، خاصة وأن المنشور لم يأتِ بما يفيد أنها أوامر سامية.
الأثر المترتب على المساس بالراتب نفسي أكثر مما هو مادي، لأنَّ مقدار العلاوة الدورية بسيط نسبياً، لكن الشعور الذي يطال الموظف بأنَّ راتبه الذي كان محصناً بقوة القانون، أصبح عرضة للانتقاص منه في أي لحظة، هو شعور محبط للغاية، وعندما يغيب الأمان تنعدم الثقة، ويبقى هاجس الموظف عن القادم أنه سيكون أسوأ، عندها لا تسألني عن إنتاجية الموظف وعمَّا سيحدث.
يكفي الموظف وقف ترقياته ويكفي الدولة ما خسرته من نتيجة الاستقالات والإحالة للتقاعد ويكفي من على هذه الأرض التصادم في وجهات النظر، واتساع فجوة الثقة ما بين المواطن والحكومة.
ومن الناحية الاقتصادية والمالية البحتة وعلى الرغم من أنني لست مختصاً بها، وليس من عادتي الحديث عنها، إلا أنني مقتنع تمام الاقتناع أن هناك مائة وسيلة أخرى بالإمكان اتباعها لدعم خزينة الدولة، ولا أعتقد أننا وصلنا لآخر الحلول حتى يتم الكي بالنار ومنازعة الموظف في قُوة عيشه.
كنت أرجو في حال اللجوء لحلول قاسية كالمساس بالراتب، أن تبدأ الحكومة الموقرة بتطبيق الأشد منها على شاغلي الدرجات والوظائف العُليا، ويكون التدرج في الصعوبة على من بعدها من الدرجات والوظائف، على سبيل المثال بشأن العلاوة الدورية أن يكون الحرمان منها كاملا لشاغلي الدرجة الخاصة المخصصة للوكلاء ومن في حكمهم ومن هم في درجات أعلى، وذلك حتى تكون أكثر إقناعًا للمواطن فيما تصدره من قرارات وأنها القدوة في تنفيذ قراراتها.   
لا مساس بالراتب جملة فيها الكثير من الاطمئنان وهي اختصار لعدم المساس بالمستوى المعيشي للمواطن، والمساس قد يكون مباشراً وغير مباشر كرفع الدعم عن الكهرباء والماء والسلع الأساسية أو عن طريق فرض رسوم على بعض الخدمات وفي مقدمتها التعليم والصحة، وعليه نرجو أن تبقى الجملة بمعناها الواسع الجميل، ونرجو أن نراها واقعاً ملموساً في حيانتا، ولا تكون جملة من الماضي.

تعليق عبر الفيس بوك