حلقة ثرية من "استديو الرؤية" حول أحد أبرز الشواهد الحضارية العمانية

خبراء: "بيت العجائب" إرث تاريخي كبير يبرهن على تعايش العمانيين في شرق إفريقيا

◄ العمانيون أسسوا منظومة تجارية وضعت شرق إفريقيا على خارطة التجارة العالمية

◄ دعوة لإنشاء مركز في السلطنة لدراسات شرق إفريقيا لتعميق التواصل مع الماضي التليد

الرؤية - محمد إسماعيل

أكَّد مُختصون ومؤرخون أن "بيت العجائب" الذي يعد أحد أبرز شواهد الوجود العماني في شرق إفريقيا، يمثل إرثا تاريخيا كبيرا، ينبغي الحفاظ عليه وصونه، مشيدين بجهود وزارة التراث والسياحة بترميم هذا البيت، وداعين إلى الاهتمام أيضا بالمعمار العماني في زنجبار بشكل عام.

جاء ذلك خلال مناقشات برنامج "استديو الرؤية"، بضيافة الدكتور محمد سعد المقدم الأستاذ المساعد لتاريخ عمان الحديث والمعاصر بقسم التاريخ في كلية الآداب جامعة السلطان قابوس، ومحمد بن عبدالله الرحبي الباحث في تاريخ عمان وشرق إفريقيا، في حلقة بعنوان "بيت العجائب وتاريخ عمان في شرق إفريقيا".

وناقشَ البرنامج الحادث المؤسف الذي تعرَّض له بيت العجائب خلال الأيام الماضية، مع انهيار جزء من هذا المبنى الأثري التاريخي. كما سلط الخبيران الضوء على الامتداد العماني في تلك المنطقة من شرق القارة السمراء، وما أسهمت به الإدارة العمانية لزنجبار في تحقيق نمو اقتصادي وتطور تنموي.

واستهل المقدم حديثه بالقول إنَّ التواصل بين عُمان ودول شرق إفريقيا يعود تاريخه إلى أكثر من 4 آلاف سنة، موضحا أنَّ هذا التواصل مستمر؛ حيث كان الحضور العماني في زنجبار كبيرا، واتسمت العلاقات مع هذه المنطقة بالتواصل الحضاري. وأضاف المقدم أن من أبرز التحديات التي واجهت عمان في شرق إفريقيا سيطرة الدول الاستعمارية كالبرتغال وبريطانيا وفرنسا على تلك المناطق، وكان للسلطان سعيد بن سلطان دور كبير في تحقيق التوازن بين القوى الاستعمارية في شرق إفريقيا. وأوضح أن السلطان سعيد بن سلطان أشرف على إدارة الموانئ في شرق إفريقيا، ورغم أنه واجه الكثير من التحديات في هذه المنطقة، إلا أنه استطاع أن يؤسس منظومة تجارية قوية وضعت المنطقة على خريطة التجارة العالمية.

وتابع المقدم قائلا إن التأثير العماني في شرق إفريقيا قوي وواضح على المستوى الحضاري والإنساني والاجتماعي، معربا عن تطلعه لتدريس اللغة السواحلية بجامعة السلطان قابوس، علاوة على دعم وتوطيد العلاقات العمانية مع دول شرق إفريقيا؛ لما لذلك من تأثيرات كبيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، مشيرا إلى أن السلطنة ستحقق استفادة كبيرة من توطيد هذه العلاقات.

من جهته، قال الباحث التاريخي محمد الرحبي: إنَّ بناء البيوت التاريخية إشارة معمارية ترمز لتعايش الحضارة في أي مكان، وقد تأثر السلطان برغش بالفن المعماري الهندي، وعندما استقر في زنجبار أنشأ بيت العجائب،  الذي يعد من أبرز وأشهر المباني الحضارية في شرق إفريقيا. وأضاف أنَّ حكومة السلطنة كانت عازمة على البدء في ترميم بيت العجائب، لكن جائحة كورونا تسببت في تعطيل عمليات الترميم، موضحا أن وزارة التراث والسياحة تربطها اتفاقية مع الشركة المسؤولة على الترميم، والشركة ستقوم بعمليات الترميم في اقرب وقت.

وعن مشروع صيانة وترميم وتأهيل بيت العجائب، قال الرحبي إن هذه المهمة جاءت بناء على الأوامر السامية للمغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-  بترميم الجزء الساقط من بيت العجائب، وتم البدء في الترميم عام 2019، لكن مع انتشار فيروس كورونا توقفت عمليات الترميم.

وأضاف الرحبي أنَّ من أبرز الأسباب التي تسببت في انهيار أجزاء من بيت العجائب هي الإهمال والبيروقراطية لدى الجانب الزنجباري، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن بيت العجائب تعرض إلى قصف من القوات البريطانية في عهد السلطان برغش، ومنذ العام 1964 وحتى العام 2019 لم تجرَ أية أعمال صيانة للبيت.

وأكد الرحبي أن هناك نسخا من رسومات بيت العجائب بوزارة التراث والسياحة، ستسهم في ترميم بيت العجائب، مناشدا الوزارة سرعة إنجاز هذا الترميم، نافيا وجود "مؤمرات" لتعمد انهيار أجزاء من بيت العجائب كما يدعي البعض. وأضاف أنَّ هناك عددا من المعالم الحضارية في زنجبار بحاجة لترميم وصيانة؛ مثل: بيت السيركال، فضلا عن بيوت أثرية أخرى تحتاج إلى الترميم، وقال إن هذه البيوت ليست في زنجبار فقط، بل تتواجد أيضا في الصومال. واختتم الرحبي حديثه مُعدِّدا الفوائد السياحية والاقتصادية التي يمكن للسلطنة الاستفادة منها من خلال ترميم البيوت الأثرية في شرق إفريقيا، فكل من يزور دول شرق إفريقيا يسأل عن أصل هذه الحضارة، وعندما يتأكد أن عُمان هي أصل الحضارة في تلك المناطق، سيقرر زيارة عُمان. واقترح الرحبي إنشاء مركز في السلطنة لدراسات شرق إفريقيا، إضافة إلى تدريس اللغة السواحلية، معتبرا أن هذه الخطوات من شأنها المساهمة في توطيد العلاقات بين السلطنة ودول شرق إفريقيا، وعودة الاتصال بالماضي العماني التليد.

وشهدت الحلقة مداخلة من الدكتورة آسية البوعلي المتخصصة في الآداب واللغة العربية، حيث أشارت إلى أهمية الاعتناء بالإرث العماني في شرق أفريقيا، وتحديدا في زنجبار، مع فرض ضوابط رقابية على عمليات ترميم الآثار لإلزام الشركات المنفذة بموعد زمني.

تعليق عبر الفيس بوك