سالم كشوب
عندما اخترنا هذا العنوان للمقال، كان المقصد أنه لماذا دائما النظر بعين الاهتمام للبعيد، وترك القريب؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: لماذا لا يتضاعف حجم الاهتمام والتسهيلات لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المتفرِّغين من أبناء عُمان الغالية، فنمو وتطور مشاريعهم وإعطاؤهم حيزًا ونسبة أكبر من الأعمال والمناقصات، ومزيدا من التسهيلات، يعني مزيدا من فرص العمل، مزيدا من الأسر والبيوت المفتوحة التي يتوافر لها العيش الكريم، وارتفاع السيولة المالية التي يتمُّ استثمارها داخل السلطنة، بدلا من تركها بكل سهولة وبكل مرارة تكون عبارة عن تحويلات خارجية سنوية وبمليارات الريالات العمانية بدون أي عائد يُذكر.
الأقرباء أولى بالمعروف عندما تكُون أسعار المنتجات الوطنية أقل من سعر المنتج الخارجي، الذي على الرغم من ارتفاع تكلفة وصوله إلى السوق المحلي، يظل سعره أقل من سعر المنتج الوطني وبنفس الجودة، إن لم يكن أكثر في معادلة لم نجد لها أيَّ تفسير مع ازدياد الدعوات، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمواطن في تفضيل وشراء المنتج الوطني الذي من المفترض أن يكون رحيمًا بالمستهلك المواطن الذي ينتظر أن يكون منتجه الوطني وطنيا؛ من خلال باركورد خاص به يتميز عن غيره من المنتجات، وينتشر بشكل أكبر وبسعر معقول، ومن خلال هذا المنتج تقام صناعات أخرى ونمو لقطاعات مختلفة، بالإمكان أن تزيد من حجم الإنتاج الوطني، وتقلِّل الاعتماد على استيراد المواد الأولية ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي وفي مرحلة أخرى قادمة التصدير إلى الخارج.
إخواننا الباحثون عن أمل لفرصة عمل توفِّر لهم المعيشة الكريمة أولى بالتوظيف من الأعداد الكبيرة من القوى العاملة الوافدة، التي أخفقت سنوات عن مخرجات التعليم العالي من الجامعات المحلية والعالمية وبرامج التدريب والتأهيل في رفع نسبة التعمين في كثير من القطاعات، والتخلص من عقدة الخواجة التي في أحيان تسبب تكاليف وخسائر باهظة دون أي مردود، وإعطاء مزيد من التحفيز والإيمان بقدرة المخرجات الوطنية في شغل الوظائف في المستويات المتوسطة والعليا بكل كفاءة واقتدار.
القطاعات غير النفطية والتنوع الجغرافي الفريد الذي حباه الله للسلطنة أولى بالاسثمار فيه وإقامة مشاريع وطنية لرفع مساهمتها في الناتج الوطني، بدلا من تركها لفئة من المستثمرين ظلوا لسنوات يستنزفون خيرات تلك القطاعات مقابل فتات بسيط لا يسمن ولا يغني من جوع ودون أي تطوير يشاهد بالعيان؛ حيث حان الوقت لتصحيح المسار وإعادة النظر في هذه القطاعات، وتوجيه استثمارات الصناديق الوطنية وصناديق التقاعد في تلك القطاعات الواعدة واستثمارها بالشكل الأمثل، بدلا من المخاطرة في الاستثمار الخارجي في عالم مضطرب تعصفه الكثير من الحروب، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، لاسيما وأنَّ جائحة كورونا كان لها الأثر الايجابي في فتح الأعين نحو أهمية الاكتفاء الذاتي، وعدم الاعتماد على الغير، خاصة في السلع الأساسية، إضافة إلى ظهور فرص واعدة في بعض القطاعات التي قد يكون لها دور نحو مزيد من فرص العمل، ورفع مساهمة هذه القطاعات وإنشاء صناعات وطنية متكاملة في العديد من القطاعات؛ مما يحقق نتائج ايجابية سواء على مستوى المجتمع أو الاقتصاد الوطني.
الكفاءات الوطنية أثبتت جدارتها في مختلف القطاعات والمجالات، والعماني أثبت نجاحه وتميزه، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك؛ فبالتالي هو الأولى بالتمكين وإعطاء الفرصة؛ سواء في التوظيف في الوظائف المتوسطة والعليا، أو إعداد كفاءات وطنية تمثل السلطنة في مختلف الاتحادات والجمعيات القارية والعالمية، والعمل على إكسابهم المهارات اللازمة والأدوات التي تُمكِّنهم من الإبداع والتميز والحضور القوي الذي في النهاية يعود بالنفع على السلطنة، وتعزيز مكانتها ودورها العالمي والاستفادة من العلاقات السياسية المتميزة لعماننا الغالية مع مختلف دول العالم في هذا الجانب؛ حيث نأمل في القريب العاجل أنْ نُشاهد أحد الكفاءات الوطنية وهم أهلٌ لها يتبوَّأوا منصب الرئيس لإحدى المنظمات أو الاتحادات القارية سواء في المجال الاقتصادي أو الرياضي أو السياحي؛ مما سيكون له الأثر الإيجابي للسلطنة على المدى المتوسط والبعيد.
وفي الختام.. لا تقوم الدول إلا على سواعد أبنائها، وهم أولى بالتشجيع والدعم، والاستفادة من حماسهم لبناء الوطن وتطويره للأفضل، وخلق المناخ الملائم لتنمية وتطوير قطاعات واعدة، قد تلعب دورا مهما في تقليل الاعتماد على النفط الذي في يوم من الأيام سيفقد بريقه وأهميته، وإن لم يتم الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط بشكل علمي مدروس لن يفيد الندم على اللبن المسكوب، ولنا في العديد من الدول دروس وعبر بالإمكان الاستفادة من تجاربها.
-------------------------
"الفرص لا تأتي إليك دوما، ولكن إذا أتت استغلها أشد استغلال، وإلا استغلك الأخرون أبشع استغلال".
غمكين كردستاني