هل سقطت ورقة التوت؟

 

علي بن سالم كفيتان

رمزت ورقة التوت في الإرث البشري لآخر نقطة في الجسد يظل الإنسان حريصاً على إبقائها مُغطاة عن أعين الآخرين وقد تبلغ التضحيات أوجها في سبيل تغطية المستور البسيط هذا في حين أنَّ موسم التنازل البشري يبدأ كالعادة من الكمال فقصة سيدنا آدم عليه السلام، كما تروى أنه كان يسكن الجنة هو وزوجه والجنة هي دار الخلود والنعيم المُقيم وعندما أغواهما الشيطان وجدا نفسيهما يواريان سوءاتهما بأوراق الأشجار ومن هنا تمَّ اقتباس مقولة "سقطت ورقة التوت".

يذكر لنا من زاروا الغابة يوماً أنَّ التوت هي الفاكهة المفضلة للدببة بينما تظل أوراقها مُتراكمة على الأرض لمن يريد وضعها على آخر بقعة من جسده ففي العادة لا يلتفت الدب لأكوام الأوراق المصفرة في الأسفل بل يقف على قوائمه الخلفية ويقتات على الثمار اللذيذة في الأعلى ولا يهمه إن كانت عورته مُغطاة أو مكشوفة فهو لا يأبه لهذا بل تجده منهمكاً في عملية الجمع والقضم معاً ويحسب حسابه للشتاء القادم فطبقة الدهن يجب أن تكفي لكامل مدة السُبات ولا يُمكن لأحد أن يعيب على الدب فعله هذا فهي عملية الصراع من أجل البقاء وفي عالم الغابة يقولون "البقاء للأقوى".

يظل هناك صراع مرير في دواخل كل فرد بين الإنسانية والحيوانية وعندما تطغى الثانية يسود نظام الغاب الذي لا يرحم فالضعيف والمريض هو الضحية السهلة لجموع الكواسر البشرية ومن هنا نجد تغير فكر من يُوجه المجتمعات الإنسانية من حيث الإلهام أو الطغيان وهذا ينعكس على صراع مرير بين الشعور الإنساني أو الحيواني فالقائد كالأسد في مملكة الغاب إن كان حيواناً لا يأبه كثيرًا بمشاعر أنثى جاموس النوء عندما يأخذ صغيرها ويضعه وليمة لأشباله وتظل هي تدور بعيداً بينما صغيرها يتلاشى بين الأنياب لم تعد تمتلك خيارًا غير اللحاق بالقطيع المهرول نحو جداول التماسيح المندسة تحت التيار لأخذ نصيبها هي أيضاً فكل عضو في هذا القطيع أصبح مشروع فريسة ينتظره إما ناب أسد أو فك تمساح.

قامت الحضارة الإنسانية الحديثة على مُحاكاة سلوك الحيوان فمعظم الابتكارات والإنجازات العلمية التي تفتخر بها البشرية اليوم نبعت في الأصل من سلوك حيواني فلم يكن الطيران ممكنًا لولا مُحاكاة الطائر الذي يقطع القارات مهاجراً والأمر ذاته في أمور كثيرة لكن أن تصل الأمور للافتراس فهذا مُؤشر خطير أصبح يفرض واقعاً جديداً على جموع القطعان التي بات يتوجب عليها تطوير آلياتها لتتمكن من البقاء... ففي مرة من المرات التي كنت أتابع فيها قناة مُختصة بحياة البراري تجمع الجواميس معاً وتوجهوا صفاً واحداً لإنقاذ أحد أعضاء القطيع الذي بات ينخر تحت الأسد فهرب ملك الغابة تجنباً لحوافر الجواميس الغاضبة، علمت بعدها أنَّ مشكلة هذه الجواميس أنها لا تُؤمن بنظام الدفاع المشترك ولذلك استمر الأسد والتمساح على قيد الحياة.

في عالمنا المتصحر تعد شجرة التوت ضرباً من الخيال ولذلك يمكننا الاستعاضة عنها بشجرتي العلعلان والميطان وكليهما تتمتعان بالقوة ذاتها فقد شكلتا العمود الفقري لعمليات البناء في الجبل الأخضر وجبل ظفار، كما يصنع منهما أقوى العصي التي استخدمها الآباء والأجداد وذاع صيتها في كل الأرجاء فهل لا زال منها ما يكفي لصناعة العصي بهدف فتح مشروع سياحي في إحدى القلاع؟ أم سنكتفي بشرائها من الباعة المتجولين المخالفين لقانون البيئة في قطع الأشجار المعمرة لم يعد هناك خيار غير التوجه لتوسيع زراعتهما فالأرض باتت خالية والعودة للرعي أصبحت الخيار الأمثل في ظل المتغيرات الجديدة.

وفي الختام سكن الليل هنا في ظفار وبات الشتاء يعزف ألحانه مع فرقة تعودت الإنشاد في العاصفة، والغابة هي الجمهور، وطائر الليل هو عازف الناي، لم نعد نسمع زئير النمر العربي، ولا عواء الذئب، لقد بات مألوفاً سماع نهيق الحمير في كل مكان، إنها تتكاثر بشكل غير مألوف، فباتت تنافس الإبل والأبقار والماعز على المرعى الشحيح، لكنها لا تموت من الجوع... كيف استطاعت التأقلم دون علف حيواني؟ أليست من فصيلة حيوانية؟ لابد من دراسة مجتمع الحمير هذا والاستفادة من قوته على الصمود!!!