انشروا البهجة!

مدرين المكتومية

على مدى 11 شهراً مضت لا أبالغ إذا قلت إننا جميعًا مررنا بضغوط نفسية غير مسبوقة، وشهدنا العديد من الأزمات الطاحنة، سواء على المستوى الشخصي أو العام، فضلاً عن تعرض الكثيرين للإحباط واليأس، لكن ذلك لا يجب أن يمنعنا من التَّحلي بالأمل في غد مُشرق، ورؤية الضوء في نهاية النفق، ومن ثم نشر الفرحة والبهجة في نفوسنا أولاً ثم في نفوس من حولنا.

أقول ذلك ونحن مقبلون على عام جديد يجب أن تصحبه في بداياته أمنيات طيبة وتطلعات مشروعة، وأن يكون أفضل بكثير من العام الذي سيرحل بعد أيام. ولا شك أنَّ عام 2020 أصاب كل فرد في العالم بنوبة من الهلع، فما بين توديع حبيب أو رفيق أو قريب، ومؤازرة مريض أو مصاب، وبين مسافر عالق، وآخر ضلَّ الوجهة، وبين فراق من نحب وابتعاد آخرين كانوا الأقرب لنا من غيرهم، ستكون 2020 سنة لا يُمكن نسيانها أو نسيان آلامها، ولا نوائبها، فهي سنة كبيسة ضمن سنوات العمر، ستمضي بلا ريب كغيرها، لكنها ستمضي بعد أيام ومعها سيل من الذكريات، وتيار جارف من المشاعر، وأحاسيس لا نهائية من القلق والتوتر واللهفة والشوق والافتقاد والرغبة والحب والحنين.. سنة ظللنا معلقين فيها بين الرجاء والخوف، بين اليأس والأمل، بين البهجة المؤقتة والحزن العارم، بين الصبر الجميل والعجلة الشيطانية.. سنة خالفت كل توقعاتنا، وعاندتنا ومارست ضدنا أقسى صور الضغط النفسي، لكنها في نهاية المطاف، قدر الله الذي لا مفر منه إلا إليه!

لم يتبقَ سوى 8 أيام وتشرق شمس فجر جديد، فجر 2021، وما علينا سوى أن ننثر الفرح وأن نفتح صفحة جديدة أول عناوينها الفرحة الجميلة والابتسامة الرقيقة، لنطبعها قبلات على جبين هذا العالم المُتعب الحزين، المثخن بسهام الأزمات والمحن التي خلفتها 2020.. علينا أن نودع ذاك العام الذي يمضي، وأن نسعى لتجاوزه بالتفاؤل والتطلع لصباحات تضيئها شمس الحب والصداقة والإخلاص في العمل.. علينا أن نقول لعام 2020 ارحل بأيامك الـ366، اذهب بعيدا في غياهب التاريخ بكل ما فيك من مآسٍ وأحزان وآهات، لن نحتاج لحفظ ذاكرتك، فهي ذاكرة الأزمات والنكبات والفقد، لن نحيي أي ذكرى في هذا العام، بل سنواريها الثرى، ونترحم عليها غير مأسوف لها..

ها نحن نودع هذا العام بكل المآسي التي حملها.. نودعه ونحن ندرك تمامًا أن ثمَّة آخرين لربما حولتهم الحياة القاسية من مكافحين عظماء، إلى أشخاص محاطين بكمية هائلة من مشاعر الوهم والخوف والهلع، لكن علينا أن ندرك أن الحياة هكذا تضمي منذ النشأة الأولى، مليئة بالتناقضات، وحبُلى بالمشكلات، وغائرة في تقلباتها. علينا أن ندرك أن لكل زمان كارثة، تدمر حقاً في جانب لكنها تبني في جانب آخر، تعيد التوزان للحياة، بصورة أو أخرى، وكأنها تشفق على حال كوكبنا من كثرة ما يتعرض له من انتهاكات..

أيها العالم اللامتناهي، أيها الأصدقاء، الأحبة، يا من ينبض القلب بسماع ذكركم، يا من تلمع العينان لرؤيتكم، يا من يقشعر الجلد لحلاوة مشاعركم، أبعث لكم بكلماتي هذه أشواقي وقبلاتي الخالصة لكم جميعًا، أنثر لكم رسائل تحفها الروح الإيجابية، وأربت على يديكم واكتافكم بأن لا تتوقفوا عن محاربة اليأس، فاليأس خيانة وكفر، واليأس هروب وخنوع.. واجهوا نكبات الحياة بقلب مغوار متسلح بالإيمان والعزيمة على إلحاق الهزيمة بكل عدو يتربص بنا، استلهموا من أمجاد أجدادكم نواخذة عُمان الأشاوس، الذين أبحروا نحو اللامعلوم بحثاً عن الرزق والسعادة ورؤية الجانب الآخر من المحيط اللامتناهي، اقتفوا خطاهم بين أمواج البحر المتلاطمة من صور إلى ممباسا وأرخبيل الملايو؛ حيث المغامرة الأولى للبحارة العمانيين في المحيطات المرعبة التي لم تكن لتخيفهم، بل كانوا يستقبلون تقلبات المحيط وغضبه وهم يبتسمون للموج العاتي، بينما هو ينحني أمام قاماتهم السمراء كأشجار السمر، لم يكونوا ضعفاء أبدًا، ولم يسمحوا للمجهول أن يهدم أحلامهم ويشتت أمنياتهم.. فكونوا على العهد وانتهجوا الحب دربًا لكم، فحياة بلا حب كقلب بلا نبض.