تساقط الأقنعة

سليمان الجابري

نُلاحظ أنه يقبع خلف كل شيء مستور قناعٌ ظاهرٌ للناس يُمجِّده الفعل الخادع للإيجابية التي يُحاول بعض المسؤولين أن يُظهروها أمام الناس، أو أمام المجتمع، في حين يتوارى خلفه عَبَق سحيق لفكر داخلي محبوس بقناعة راسخة ممزوجة بالسلبية والأنا؛ حيث تتمحور ظاهريا بعض الأفكار التي تكشف ما خلف القناع؛ بحيث تتجسَّد معه شخصية ذلك الفرد بين فينة وأخرى؛ فنرَى ذلك الفرد يتحدَّث بلسان عذب مغروس بنزاهة الخاطر وصفاء النية، لكنه مُطعَّم بما خفي وراء ذاك القناع.

هُناك مجموعة في المجتمع تمجِّد وتقدِّس المسؤول، كأنه عروس خيَّمت على ذاك الزمان والمكان، واعتلتْ تاج الرؤوس وكأنَّ أقواله وأفعاله الوظيفية وهيمنته هي دفتر وكتاب مدروس لا ينبغى الحِيدة عنه أو التفكير خارج نطاقه.

فتراهم يبحثون عن أي شيء جاذبٍ يسيطر على نفوس الأفراد؛ إما بالترهيب تارة أو بالترغيب تارة أخرى، وبطرُق تقول للفرد: لماذا؟ وكيف؟ وليس لك حقٌّ في.. كأنَّ من يحق له الحديث والفعل والتفكير والمنطق ليس أحدًا غير ذلك المسؤول.

فنرَى للأسف مهما بلغتْ الشهادات في سيرته ليست سوى مجرد ورقة تزين حائط منزلة فبعضه هؤلاء الأفراد غير قادرين على تخطِّي عقبة الفكر العقيم في اعتلاء الآنا في حديثه وأفعاله، وليس لديهم سوى نفذ ما أنا أراه، وأفعل ما أنا أقوله، ولا تتكلم إلا بما أمليه عليك.

لذا؛ نلاحظ التخبُّط والعشوائية في إدارة أي مؤسسة، وكذلك في عملية اتخاذ القرار، فنرى أعمالها تتمحور في انزعاج من حدث ما قد يعتلى رفعة منظمة أو مؤسسة أو جماعة، أو فرد لا يمجد فيها إلا غيره، فيكثر من يشاركونه الرأي لأنهم يعلمون أنهم إذا خالفوه قد يسقط قناعهم المتخوِّف خلفه أمام ذلك المسؤول، ويأتي خلفهم كذلك من يتملقون، وهم على شاكلتهم ويتحدثون بما يُملى عليهم من قِبله دون تفكير ودون استيضاح من الأمر، ودون تغليب للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

هنا.. يكون المسؤول ما له غير التربص هو وأتباعه عن أي فعل مخالف لفكرهم وسياستهم، فتصبح مكشوفة أوراقهم لمن اهتدى سبيلًا لتتفتح من خلال مناقشة بعض الأمور روائح انتظار الزلل من الآخرين، ليستفاد منها في أمر ما في نفسه.

هنا.. نجدُ المسؤولية الملقاة على هذا الشخص أكبر من ثقافته في تسيير الأمور وإنجاز الأعمال وتشجيع الآخرين، فنرى تساقط الأقنعة المزدوجة من الأفراد نتيجة تلبُّد الأفكار لديهم، ولا يرون إلا ما يراه المسؤول عنهم.

فتراهم يتشدَّقون ويتملَّقون ويساندون كلَّ فكرة ولو كانت غير مقنعة، ولو كانت سببا في تعاسة أحدهم، وذلك لإرضاء مسؤولهم، سنجد حينها حتمًا ما لا يحمد عقباه من أفعال وتصرفات لا يتم حساب ما يعقبها عندما يتشدق المسؤول بالأنا، ولا أريكم إلا ما أرى، ستجد المؤسسة أيًا كان نوعها تنهار رويداً رويدا.

القناعة الراسخة بالمجد لا يؤمن بها إلا شخص آمن بوجود الآخرين معه في الفريق؛ فالنجاح لا يكون لفرد دون مجموعة معه تسانده في تخطِّي التحديات الواردة في طريق المجد للمؤسسة وللمجتمع بشكل عام.

تعليق عبر الفيس بوك