د. خالد بن علي الخوالدي
أصبحتْ قضايا الفساد من القضايا التي تشغل الحكومات والدول والمؤسسات الخاصة والأهلية...وغيرها، ولم تخلُ مؤسسة من نوع أو أنواع مختلفة من الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، وقد أصبح هذا الزلزال المدمر يضرب اقتصاد البلدان في مقتل وبدرجات متفاوتة، ولا يفرق ذلك بين الدول الإسلامية وغيرها من الدول؛ فالكل كما يُقال "في الهم شرق"، لكنَّ المؤكد أن المحاسبة والشفافية في السلطنة ستحقق نتائجها المرجوة في العهد الجديد تحت القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه.
فمنذ سنوات والجميع يُنادي بتفعيل المحاسبة والعقاب، ولكن للأسف كلام بلا فعل، وإلا ما حدث ما حدث من مشاريع معطلة ومئات القضايا المرفوعة على مؤسسات حكومية، وتكون الغرامة على عاتق الدولة لا على حساب المخطئ من مسؤولي الدولة. وهناك عشرات من القضايا التي تمثل هدرا للمال العام ولمقدرات الدولة ولمكتسباتها، ولم نرَ ردة فعل قوية تجاه مرتكبيها، بل رأينا القاعدة النبوية التي قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم تنتشر بيننا؛ حيث يشهر بالضعيف ومن لا ظهر له ويتم التستر على عِلية القوم، وفي هذا قال الحبيب: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"؛ فهناك قضايا ظهرت للسطح لا ترقى إلى أن يشهر بأصحابها ولا يعاقبوا ذلك العقاب الشديد، فهم لم يسرقوا ولم ينهبوا ولم يكبدوا الدولة تلك الخسائر الفادحة التي كلفت الدولة الذهاب إلى تسديد الفجوات الحاصلة من جيب المواطن المغلوب على أمره، وقد تم التشهير بهم بينما غيرهم حتى في عقابه يدلع.
... إنَّ الإجراءات الأخيرة لزيادة الإيرادات العامة للدولة، قد توجهت مباشرة نحو جيب المواطن وسوف تخلق في المستقبل فجوة بين طبقات المجتمع بما يهدد بتلاشي الطبقة المتوسطة السائدة الآن في المجتمع، وثمة مخاوف من أن يكون الوضع قائما بين طبقتين فقط: الفقراء والأغنياء! بينما كان يفترض أن يتم رفع الضرائب على "الهوامير" الذي استحوذوا على الكثير من خيرات البلاد من أراض في مواقع متميزة، وما تبع ذلك من تسهيلات مالية ضخمة ودعم وتنفيذ مطالبهم مهما عظمت، كما لم يتم التوجه إلى البنوك والشركات التي تحقق أرباحا بالملايين واستفادت أيضا هي الأخرى من خيرات الوطن ومقدراته وتسهيلاته، كما لم يتم فرض ضرائب على كبار التجار والأثرياء الذي لو أخرجوا زكواتهم فقط فلن نجد مواطنا تُصرف له رواتب من الضمان الاجتماعي.
ومع هذا وذاك، فالأمل يحدونا في العهد الجديد أن نرى الشفافية والمحاسبة والعقاب تطبق فعلا وليس كلاما، وهذا الأمل مرسوم على حديث مولانا السلطان هيثم المعظم في خطابه بمناسبة العيد الوطني الخمسين للنهضة عندما قال: "كما أنَّ العملَ مستمرٌّ في مراجعةِ الجوانبِ التشريعيةِ والرقابيةِ وتطويرِ أدواتِ المساءلةِ والمحاسبة، لتكون ركيزةً أساسيةً من ركائزِ عُمانَ المستقبلِ، مؤكدينَ على أهميتِها الحاسمةِ في صون ِحقوقِ الوطنِ والمواطنين ودورِها في ترسيخ ِالعدالةِ والنـزاهةِ وستحْظى هذه المنظومةُ برعايتِنا الخاصة بإذن ِاللهِ تعالى"، وكلنا أمل في تطبيق ذلك فعلا وأن تكون المحاسبة حاضرة وبقوة في العهد الجديد.
وإذا كانت المحاسبة مطلبا رئيسيا لتصحيح الأوضاع الاقتصادية والمالية في الدولة، فإن الشفافية ركن أساسي من أركان هذا التصحيح؛ فهي الأمانة والصدق والعدالة والإخلاص، وهي المرآة التي تكشف من خلالها الحكومة كل ما يدور في أروقتها ومشاركة المواطن الذي هو أساس التنمية ومحركها؛ فالشفافية في كشف القرارات وتفسيرها وتطبيقها ومشاركة المجتمع فيها مطلب لا يقل عن مطلب المحاسبة بل يتداخل فيه ويتشارك معه؛ فبدون الشفافية سيظل اللصوص ينهبون والمرتشي يستقبل الرشوة في وضح النهار وسيظل الفاسدون يمرحون ويسرحون ولن يتأدبوا أبدا. ومن هنا، فإنَّ أمر المحاسبة والشفافية لابد أن يمضي على وتيرتين متوازيتين (فمن أمن العقوبة أساء الأدب) والتشهير ومعرفة العقاب المستحق لكل من يعبث بمقدرات الوطن، كل ذلك سيسهم في ردع من تسول له نفسه العبث، ويفرض عليه الرجوع إلى جادة الصواب.. ودمتم ودامت عمان بخير.