المملكة المتحدة تحبس أنفاسها مع وصول قطار مفاوضات "الخروج" المحطة الأخيرة

"بريكست".. القرار "الأسوأ" في تاريخ بريطانيا

ترجمة- الرؤية

وصف مايكل هيزلتاين رئيس "الحركة الأوروبيّة" والوزير البريطاني السابق في حكومتي مارجريت تاتشر وجون مايجور، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأنه "القرار الأسوأ" في تاريخ المملكة المُتحدة.

ورغم أنَّ المفاوضات ما زالت قائمة ومن المقرر الإعلان عن نتائجها النهائية اليوم، إلا أنَّ هزيلتاين يشكك في إمكانية صدور قرار نهائي وأخير بالفعل. وقال في مقالة نشرها بصحيفة ذا جارديان البريطانية: "ما أعرفه هو أن كلا الجانبين (بريطانيا والاتحاد الأوروبي) سيقدمان الرؤية التي تخدم مواقفهما التفاوضية على أفضل وجه وبما يُرضي جمهورهما، بالتوازي مع نقص في الحقائق والكثير من المراوغة في التفاوض". وأضاف هزيلتاين: "لا أعرف بالضبط أين ستنتهي كل هذه المواقف بحلول يناير، لكنني أعلم أننا- بصفقة أم بدون صفقة- سنكون نظريًا وعمليًا خارج الاتحاد الأوروبي. فهذه هي السياسة التي تم انتخاب الحكومة على أساسها. فلديهم تفويض ولن أصوت ضد تشريعاتهم. وأعتقد أنه سيُنظر إليه على أنه إجراء لحزب المحافظين ولن يكون لي أي علاقة به. وستكون هذه الحكومة مسؤولة- ويجب أن تتحمل تلك المسؤولية- ببساطة عن أسوأ قرار في زمن السلم في العصر الحديث... أعرف أعضاء في مجلس الوزراء يؤمنون بهذا الأمر تمامًا مثلي، لكن لا أستطيع أن أفهم صمتهم".

ويمضي هزيلتاين في مقالته منتقدا بشدة قرار "البريكست"، وقال إن شعارات استعاد السيادة والمسؤولية والسيطرة، لن يُسهم في خلق وظيفة واحدة، أو حتى استثمار بقيمة جنيه إسترليني واحد أو أي ارتفاع في مستويات المعيشة. كما سنخاطر بعلاقتنا التجارية مع أكبر سوق في العالم على مقربة منِّا (السوق الأوروبية)، والتي تمثل ما يقرب من نصف وارداتنا وصادراتنا. ومع ذلك، يُقال لنا باستمرار إن غدنا مشرق! لكن لا دليل أو حقيقة واحدة تثبت هذا.

ومع خسارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة، تبخر الوهم بأن يعقد ترامب صفقة تجارية مع بريطانيا. وسخر هزيلتاين من فكرة إعادة إبرام اتفاقيات مع 20 دولة أوروبية، بنفس شروط الاتحاد الأوروبي، متسائلاً عن الفائدة من ذلك، فهي قائمة بالفعل في ظل وجود بريطانيا داخل الاتحاد. وضرب مثالاً على ذلك قائلاً: ماذا يحدث عندما تعيد الدولة "أ" التفاوض بشأن اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي؟ هل نعتقد أننا سنكون قادرين على الاستمرار في التصدير لمنتجات تلك الدولة التي ستكون حينئذ ذات مستوى أدنى مما قد تم الاتفاق عليه مع الاتحاد الأوروبي؟ وإلى متى سيصمد الجدل حول السيادة أو الهيمنة البريطانية في مواجهة الرفض المشترك للدولة "أ" والاتحاد الأوروبي، للسماح لبريطانيا بمواصلة التجارة وفقًا للشروط المتفق عليها مسبقًا؟

وقال السياسي المخضرم إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق من شأنه أن يُحيل بريطانيا إلى شروط منظمة التجارة العالمية. وهذا يعني أنه يجب دفع أي رسوم جمركية مقدمة لدولة واحدة إلى جميع الدول، ومن ثم تنتقل مزاعم السيادة على القواعد ببساطة من بروكسل (حيث مقر الاتحاد الأوروبي) إلى المكتب الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية في جنيف.

ويرى هزيلتاين أن الخلاف حول قضايا الصيد، يستند إلى العاطفة بشكل خاص على كلا جانبي القناة الإنجليزية؛ حيث تعزز ذكريات "حروب أسماك القد" من عواقب السيطرة الفعَّالة، لاسيما عندما لا تمتلك البحرية الملكية سوى جزء بسيط من السفن المنتشرة في ذلك الوقت. لكن ما مدى ضآلة سماعنا عن التراخيص الصادرة لمالكي أساطيل الصيد البريطانيين، عندما انضممنا إلى سياسة مصائد الأسماك المشتركة، الذين باعوا على الفور تراخيصهم للأوروبيين الذين يمكنهم بعد ذلك الصيد في مياهنا؛ حيث يتم إنزال نسبة كبيرة من الأسماك التي تصطادها سفن الصيد البريطانية مباشرة في فرنسا وبيعها داخل الاتحاد الأوروبي. ويتساءل هزيلتاين: أليس من المؤكد أن الصيادين الفرنسيين، بدون اتفاق، سوف يغلقون موانئهم أمام سفن الصيد البريطانية؟ ووضع البحرية الملكية على أهبة الاستعداد لمواجهة سفن الصيد الفرنسية. ويؤكد هزيلتاين أن المجتمع الأوروبي تشكل لمنع مثل هذه الحوادث والحيلولة دون دفع القارة إلى مزيد من العنف.

ويؤكد السياسي السابق أنه يجب على بريطانيا أن تستخدم كل جهد للاستفادة من معدلات النمو المرتفعة نسبيًا في الأسواق الآسيوية، ويعتمد النجاح في ذلك على تلبية احتياجات الآخر التي يريدها بسعر معقول.

ولا توجد تقريبًا شركات سيارات كبيرة الحجم مملوكة لبريطانيا باستثناء Ineos، والتي تغلب مالكها السير جيم رادكليف، الأسبوع الماضي على حماسه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من خلال تحديد موقع إنتاج سيارته Grenadier 4x4 في فرنسا. ويشير هيزلتاين إلى أن الأمريكيين في بريطانيا مقيمون منذ فترات تاريخية طويلة، بينما جاء اليابانيون إلى بريطانيا لتأمين موطئ قدم لهم في السوق الأوروبية، مضيفاً أنه في حالة رغبتهم للبيع في آسيا، فمن المتوقع أن يختاروا دولة آسيوية للقيام بذلك، بدلاً من بريطانيا، مستفيدين من انخفاض تكاليف العمالة ورسوم العبور والجمارك، فضلاً عن القرب من سلاسل الإمداد. وهذا الأمر ينطبق على الكثير من جوانب التصنيع. وقال إن بريطانيا تملك نقاط قوة كبيرة في الصناعات الخدمية، لكن ثمة استثناءات قليلة للقاعدة التي تحتاج إلى مديرين وموظفين محليين للوصول إلى السوق. ويرى أنه لتحقيق النجاح في هذه الأسواق، يجب التواجد في تلك الدول، وليس على بعد آلاف الأميال مع لغات وثقافات مختلفة.

وأشار هيزلتاين إلى أن أخطر نقد موجه للحكومة أنها لم تقم بما ينبغي بذله من جهد لفهم الطبيعة الحقيقية للتحديات التي تواجهها بريطانيا أو لإعداد البلد لمواجهتها. ولا يُمكن لأحد أن يلوم الحكومة على أزمة كوفيد، والتي- على أي حال- ستتقلص في نهاية المطاف مع بدء توزيع اللقاح. واستقبلت الحكومة هذه الأزمة بالطريقة التقليدية التي تعرفها الحكومة البريطانية، مدعومة بكميات هائلة من اقتراض الأموال. ويوضح الوزير السابق أن ما ينقص بريطانيا هو أي محاولة للتعرف على الطبيعة المتباينة لاقتصادات المدن داخل المملكة المتحدة، حيث تتباين نقاط القوة والضعف فيها، وكذلك متطلباتها من التنمية، وقبل كل شيء وجود قيادة محلية فعالة.

ومع ذلك، يرى السياسي السابق أن رؤساء البلديات المنتخبين في هذه المدن الحيوية للاقتصاد البريطاني لم يتلقوا أي دعوة للعمل الجاد والدؤوب. ويقترض الوزراء الأموال ويحددون كيف ينبغي إنفاقها على طول الخطوط التي تعكس هيكلية حكومة المملكة المتحدة. ويشدد هزيلتاين على أن بريطانيا في أمس الحاجة لتحفيز المجتمعات المحلية على العمل، وبناء شراكات بين القطاعين العام والخاص في المدن البريطانية.

وفي ختام مقالته، يأمل الوزير البريطاني السابق والسياسي المخضرم أن تتشكل "الفطرة السليمة" لدى أطراف التفاوض من الجانبين البريطاني والأوروبي، ومن ثمَّ التراجع عن حافة الهاوية، محذرًا المفاوضين المتشددين من مغبة عدم المرونة، حيث سيكون الفشل من نصيب بريطانيا وسيدفع الجميع الثمن.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة