جمال النوفلي
في عام 1981 اكتشف باحثون وأطباء فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، وحينها تساءل الناس: كيف ظهر هذا الفيروس وما هو مصدره؟ ثمَّ وخلال عشر سنوات من البحوث الدقيقة التي قام بها باحثون مستقلون توصلوا إلى حقيقة وجود علاقة بين فيروس الإيدز AIDS ولقاح شلل الأطفال (OPV) الذي اكتشف في عام 1954 في أمريكا بعد أن عانت البشرية من وبائه طيلة منتصف القرن العشرين وراح ضحيته ملايين البشر.
وقد اكتشف هؤلاء الباحثون أن فيروس الإيدز هو نتاج وأثر للقاح فيروس شلل الأطفال الذي يحتوي على مواد مأخوذة من قرود كان يجرى عليها تجارب في أفريقيا ومن ثمَّ تجربة اللقاح نفسه على مواطنين أفارقة في بروندي ورواندا. هذه الأبحاث الصادمة بطبيعة الحال ترفضها الشركات التي كانت تنتج وتصنع لقاح شلل الأطفال، بل وتنكرها نكراناً تاماً لما يترتب عليها من فضائح ومطالبات مالية دولية وفردية، بل إن الشركة المصنعة رفعت دعوى قضائية في سنة 1993 على المجلة العلمية (Rolling Stone) التي نشرت نتائج البحث العلمي الذي يثبت هذه الفرضية.
حتى لقاح شلل الأطفال بعد أن أثبت نجاحه ونجاعته في عام 1955، تبين خلال تلك الفترة أن الشركة المصنعة نفسها ارتكتب خطأ في إنتاج كمية صغيرة من اللقاح أدت إلى مضاعفات صحية ووفيات لأشخاص تناولوها عن حسن نية.
طبعاً هناك كثير من الفيروسات القاتلة التي لم يكتشف لها لقاح حتى الآن منها فيروس الإيدز، وهناك أيضاً من الأمراض والفيروسات التي لم يتمكن العلماء من إيجاد لقاحها إلا بعد مرور 500 أو 100 عام من اكتشافها وبعد إجراء الكثير من التجارب والعديد من اللقاحات الفاشلة، منها على سبيل المثال الجدري والطاعون وحمى التيفويد والحمى الصفراء والأنفلونزا.
وعلى الرغم من وجود مثل هذه الأخطاء في الماضي إلا أنَّ اللقاحات بعد اكتشافها تكون دائماً نافعة وقاضية على الفيروسات الفتاكة التي تكاد تنهي على الوجود البشري، الأمر الذي يبعث شعورا بالطمأنينة والراحة في نفوس الكثيرين ويدفعهم إلى المسارعة إلى أخذ لقاح كورونا المنتشر في هذه الآونة والذي أودى بحياة كثير من الناس في بلداننا وحول العالم.
وبما أن الحكومات قد شرعت في شراء واستيراد هذه اللقاحات وأخذت في تشجيع مواطنيها ومقيميها على التطعيم بها لأجل التخلص من الوباء بشكل كلي وتعجيل عودة الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتفادي الخسائر المادية والبشرية التي نتجت عن الوباء خلال هذا العام، فمن يا ترى ستكون له الأولية في أخذ هذا اللقاح؟ وهل سيكون للناس الخيار في أخذ اللقاح من عدمه؟
الإجابة على هذه السؤال تعتمد على أمرين أولاً القناعة الشخصية للأفراد بخطورة المرض القاتلة وثانياً قناعتهم بجدوى اللقاح وعدم وجود آثار أو مضاعفات جانبية قد تنتج عنه، وهذا ما تحاول الحكومات أن تثبته لشعوبها، وقناعة الشعوب مبنية أيضًا على مدى ثقتها بالإدارة الصحية والسياسية في البلد وعلى وعيها وثقافتها المكتسبة من المؤسسات الإعلامية والدعائية والصحية في البلد.
في عُمان هناك قناعة كبيرة لدى النَّاس بخطورة هذا المرض فمعدل الإصابات والوفيات كان في بعض فتراته عاليا جدا، وقد فقدنا الكثير من أعزائنا وأحبائنا بسببه، وما زلنا نعاني منه أضرارا كثيرة شملت جميع الجوانب سواء أكانت صحية أم كانت جوانب أخرى كالاجتماعية والاقتصادية، كل ما تبقى لدينا هو أن يثق الناس في الدواء وخلوه من أي أعراض أو مضاعفات.