د. خالد بن علي الخوالدي
استقبلَ القرَّاء المقال السابق في جزئه الأول بتفاعل لافت، مُنطلقين من غيرة وحرص على تطوير هذا القطاع الحيوي المهم، القطاع الواعد الذي يمكن أن ينقل السلطنة إلى دولة سياحية واقتصادية وتجارية من الدرجة الأولى في المنطقة بحكم التنوع الطبيعي والبيئي والتضاريسي الذي تنفرد به عمان عن غيرها من البلدان، وأوضحت في المقال السابق المقومات التي تملكها السلطنة ودور المؤسسات الحكومية المعنية لتطوير هذه القطاع وتطرقت لمقتطفات لدور القطاع الخاص، وفي هذا المقال سنكمل عددًا من النقاط إذا ما تحققت سنكون دولة سياحية.
ومن أهم النقاط التي تجعلنا دولة سياحية بامتياز: الاهتمام بالسائح الداخلي سواء مواطنا أو مقيما، والتركيز على متطلباته واحتياجاته، وتمييز هذا السائح بمميزات تفرق عن السائح الأجنبي، ومن سافر يشعر بهذا ويعرف ما أقصد، فكل الدول السياحية تعامل مواطنيها تعامل مختلف في رسوم الدخول إلى المواقع السياحية وفي أسعار الفنادق والشقق الفندقية والاستراحات، بينما معنا في السلطنة لا نرى هذا إلا في قلة من المواقع وبشكل خجول؛ فأسعار الفنادق نار والفنادق التي عليها خمسة نجوم أو ستة لا أحد يقربها؛ فهي ليست للمواطن البسيط ولا للسائح المواطن الذي معه عائلة مكونة من خمسة أو ستة أشخاص، بينما لما نذهب لدول أخرى نرى الأسعار العالية للوافد والمواطن يخفض له السعر بشكل كبير.
إضافة إلى هذا، على الحكومة والقطاع الخاص تفعيل موسم الإجازات الصيفية وإجازات المناسبات الدينية والوطنية.. وغيرها من خلال المهرجانات والفعاليات الترفيهية وتأهيل المواقع السياحية؛ من خلال توفير الخدمات الضرورية؛ فمن غير المعقول تزاحم السائح الداخلي على موقع سياحي كالأودية والرمول والشواطئ، وفي المقابل لا توجد حتى دورة مياه في ذلك الموقع ولا مكان للصلاة ولا بقالة صغيرة تفي بأبسط احتياجاته، ناهيك عن وجود دورة المياه النظيفة في محطات تعبئة الوقود على الشوارع العامة لأن لا أحد يراقب ولا أحد يهتم، ويقول في نفسه إنَّ السائح مهم وراحته أساسية، ولا أحد يلتفت إن هذا يسيء لهذه التربة الطيبة؛ فعندما يأتي سائح من خارج الدولة أو من داخلها، وينتقل من ولاية إلى ولاية، ويرغب في دورة مياه لا يجد إلا في هذه المحطات، ويجدها في حال أقل ما يقال عنه "سيء".
سنكون دولة سياحية إذا فرضنا القوانين السياحية الصارمة على كل من يقدم صورة سيئة عن المجتمع العماني وبيئته؛ سواء بالقول أو بالفعل، وتطبيق هذا القانون على الجميع، فمن غير المقبول شرعا وقانونا وأدبا واحتراما جعل المواقع السياحية مردم للنفايات والمخلفات بعد قضاء أوقات جميلة بها، وفي نظري لابد أن تكون هناك حملات إعلامية وتربوية وثقافية ودينية لترسيخ ثقافة النظافة عند الذين لم يتربوا عليها ولم يشعروا بقيمتها الحقيقية؛ فالنظافة من الإيمان التي تعلموها وهم صغار كانت للامتحان في المدرسة ونسوها ورموها وراء ظهورهم، وبحاجة إلى من يذكرهم بأن الإنسان الذي يرمي مخلفاته في الموقع الذي استفاد منه هو بلا ضمير ولا أخلاق ولا تربية، وليعذرني كل من يقرأ فلا عذر لرمي المخلفات بعدم وجود سلة مهملات، فمن خرج للنزهة والسياحة لم ينسَ يحمل طعامه معه، لكنه ينسى يحمل وعاء يجمع فيه مخلفاته.
... إنَّ الواقعَ السياحيَّ للسلطنة مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الحكومية المعنية وبين القطاع الخاص المنتمي لوطنه وبين المواطن الغيور على مقدسات هذا الوطن، الطبيعية منها والمنجزات الحضارية، التي تحققت خلال الخمسين عاما الماضية، ولن نتقدم خطوة للإمام إذا لم يكن هناك انسجام وترابط وتعاون بين المكونات الثلاث، ولن يكتمل البنيان إذا جهة تبني وجهة تهدم... ودمتم ودامت عمان بخير.