لماذا أصبحت الديمقراطية الغربية محط شكوك؟

عبدالله العليان

لا شكَّ أنَّ وسيلة الديمقراطية الغربية تُعتبر من الوسائل الفكرية والإجرائية التي وجدت قبولاً عامًّا في العالم الغربي؛ باعتبارها طريقة ناجعة للتداول السلمي للسلطة، وجاءت حلًّا إيجابيًّا للحروب والتوترات والصراعات لعقود طويلة، بسبب الحُكم السلبي والمطلق لمعظم الدول الأوروبية قبل قرنين وما قبلها، ونتيجة لهذه الأزمات الكبيرة، والصراعات، اتجه العديد من الفلاسفة الغربيين، من إرساء العقد الاجتماعي، الذي تتوافق عليه الأمة، لاختيار من يمثلها، سواء في انتخاب رئيس الدولة، أو المجالس النيابية، ويعتبر الفيلسوف السويسري جان جاك روسو من أهم الفلاسفة الذين أسهموا في وضع نظرية اجتماعية وقانونية للمجتمع السياسي في الغرب، كبديل للنظم الشمولية أو الثيوقراطية في التي كانت سائدة في أوروبا، ومما قاله روسو فيما طرحه في هذا العقد الاجتماعي أن "هدف كل نظام اجتماعي وسياسي هو حفظ حقوق كل فرد".

كما أسهم بعض الفلاسفة الآخرين أيضاً في وضع الأسس في النظام السياسي في النظام الديمقراطي الغربي، أمثال: توماس هوبز، وجون لوك، وتوماس جفرسون، لكن هذه الوسيلة اختلف فيها العديد من الفلاسفة والمفكرين، وفي طريقة تطبيقها، فالفلسفات الاشتراكية، وبالأخص الفلسفة الماركسية، تعتبر الديمقراطية الشعبية، هي الاختيار الأنسب، من خلال النظم الشمولية والحزب الواحد، واعتبرت أنها الأهم للشعوب من الفلسفة الليبرالية المنبثقة من الرأسمالية المتوحشة، لكن النظم الشمولية أخفقت في تطبيقاتها بسبب غياب الحريات العامة والشمولية السياسية، والفلاسفة الليبراليون اعتبروا أنَّ الديمقراطية تنطلق من النظم السياسية القائمة على التعددية الحزبية، وعلى الحريات العامة؛ منها: حرية الصحافة الخاصة وغير المملوكة للدولة، وقيام المجتمع المدني، بعيداً عن النظم السياسية، وأهمها التداول السلمي للسلطة، من خلال التنافس الانتخابي.

لكنَّ هذه الديمقراطية الليبرالية من خلال التعددية الحزبية لاقت انتقادات كبيرة، خاصة وأنها تقوم على المال السياسي، والذي يلعب دوراً مهمًّا في وصول السياسيين للحكم، أو المجالس النيابية أو التشريعية الأخرى، ففي الانتخابات الأمريكية في 2016، والتي ترشح لها من الجمهوريين الرئيس دونالد ترامب، وبعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية، وُجهت له تهم بأن روسيا تدخلت في الانتخابات لإنجاح الرئيس ترامب، وجرت الأحاديث والنقاشات عن هذا الاتهام، وهذا بلا شك أسهم في إرباك السمعة الكبيرة للديمقراطية في الولايات المتحدة، خاصة وأن التهمة جاءت من أحزاب كبيرة، وليس اتهاماً من دول أخرى، بسبب الخلاف السياسي، وإنما جاء الانتقاد من أهم الأحزاب الكبيرة في الولايات المتحدة الحزب الديمقراطي، الذي يتداول الحكم مع الحزب الجمهوري، والآن بعد المنافسة بين دونالد ترامب وجو بايدن، شكك الرئيس ترامب الذي تنتهي ولايته الأسابيع المقبلة، واعتبر أن تزويراً جرى في بعض الولايات، مما انحرف بالنتيجة لصالح جو بايدن! والحقيقة أن تكرار الشكوك إلى حد التزوير يفتح المجال للشك كثيراً، ذلك أن بعض المحققين صرَّحوا بأنه لم يتم التزوير على نطاق واسع يخل بنتيجة فوز جو بايدن في الانتخابات، وعبارة "لم يتم التزوير على نطاق واسع" تعني أنه جرى تزوير بشكل أو بآخر -إن صح- وهذه شبهه وسمعة سلبية للديمقراطية الغربية.

والإشكالية التي أساءت وتسيء لوسيلة الديمقراطية أن المال السياسي يلعب دورا مؤثراً في الانتخابات، لكن عندما يصل هذا المال للتأثير على النتائج، فهذا يحتاج إلى مراجعة قانونية كبيرة، بعد ما يقرب من مائتي عام من التداول السلمي للسلطة في الولايات المتحدة، ولو استمرت الشكوك على الديمقراطية وطرق التصويت بهذه الطريقة، فستعود المشكلات والتوترات مرة أخرى في الغرب، ونكُون مثلما يحدث في العالم الثالث، من تزوير وتغيير صناديق التصويت بأخرى معدة ومرتبة في دول عربية كثيرة، وهذه جرّت الكثير من التوترات والصراعات، ولا تزال تجري بسبب تزوير إرادة الشعوب واختياراتها في الانتخابات، لذلك نجد أن الكثير من المواطنين يتجاهلون الذهاب للمشاركة في الانتخابات، وهذا نتيجة لما يحدث في الانتخابات من تزوير، وهذه إحدى الآفات الخطيرة في عصرنا الراهن، والتأثير السلبي للتزوير في أصوات الناخبين، سيجُر في الغرب الكثير من المصائب السياسية والاجتماعية، والمجتمع المدني سيكون له صوته وأثره في الشعوب الغربية كنتيجة لما جرى أو يجري، إن سارت الانتخابات بطريقة التزوير وبتأثُّر المال، وغيرها من المؤثرات الأخرى في عصرنا الراهن.

توقع الكثيرون -وكنت أحدهم- أن الرئيس ترامب ربما يريد أن ينتقم مما جرى له في انتخابات 2016، بعد اتهام الديمقراطيين له بأن معلومات استخباراتية تكشف أن روسيا الاتحادية أسهمت في دعمه، ليتحقق له الفوز، لكن التصريحات التي أكدت أن التزوير لم يتم على نطاق واسع، فتحت الباب واسعاً، أن تزويراً حصل في هذه الانتخابات، وهذه نقطة سيئة للانتخابات، وطعنة في فلسفة الأب المؤسس للديمقراطية الأمريكية "توماس جفرسون"، صحيح أنَّ هذه الديمقراطية ليست خالية من العيوب والسلبيات أساسًا، لكن الجانب الإيجابي فيها هو التعدُّد السياسي، والحريات العامة، لكن تدخل الأصابع في التزوير، واستخدام المال في تغيير نتائجها، فهذا كما يقول المثل العربي: مثل "القشة التي قصمت ظهر البعير".