الوقوف في الحب

 

أم كلثوم الفارسية

يقول جلال الدين الرومي فيلسوف الحب الرباني: "هناك سبل كثيرة لنصل إلى الله. وأنا أخترت الحب لأصل"، كلُّ العبادات عبء من غير حب، في الحب شيء من عظمة الله، الحب أقوى مُحرِّك لنا لنُقبِل على شيء أو نعرض عنه لنفعل أو لا نفعل لنعطي أو نمتنع.. الحب معجزة الله في خلقه.

يُؤمن معظم الناس بأنَّ الحب شيء مهم، إنهم يشتاقون إليه وهم يشاهدون عددا لا يُحصى من الأفلام عن قصص الحب السعيد والتعس، وينصتون إلى مئات من الأغاني التافهة عن الحب، ومع هذا لا يَكاد إنسانٌ ما يفكر في أن هناك أيَّ اقتضاء لمعرفة شيء عن الحب!

فالحبُّ يقتضي معرفة وبذلَ جهد؛ فهو ليس مجرد إحساس باعث على اللذة، وأن ممارسة هذا الإحساس ليست مسألة تعود للصدفة، كما أنه ليس شيئًا يقع الإنسان فيه إن كان محظوظا!! هذا المقال البسيط يقوم على أن الحب وعي ومعرفة وإدراك يتطلب منك جهدا لإبقائه على قيد الحياة.

الحب هو أشد تجارب الحياة انبعاثا للبهجة والإثارة، الحب في أسمى تجلياته يقدم لنا جوابا شافيا وكافيا عن مشكلة الوجود الإنساني.

إنَّ رغبة الاندماج مع شخص آخر هي أكبر توقان لدى الإنسان، إنها أشد عواطفه جوهرية، إنَّها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكا وكذلك القبيلة والأسرة والمجتمع، والفشل في تحقيق هذا الاندماج يعني الجنون أو الدمار  للذات أو للآخر.

فالحب في حقيقته المجردة هو قهر الانفصال الإنساني، إنه تحقيق الاشتياق إلى الوحدة والاتحاد، وهذه الحقيقة تتضح جليَّة في قصة أبينا آدم وأمنا حواء التي لا تكاد يخلو منها أي كتاب سماوي والتي تقول بأن آدم وحواء وبعد أن أكلا من شجرة المعرفة وعصيا ربهما بانت سوءاتهما وكانا خجلين. معظم التفاسير تشير في ذلك إلى قيمة الاحتشام وستر العورة، وربما قد يكون الأمر هكذا ولكن من وجهة نظر فلسفية وبصورة أعمق قد تحملنا القصة إلى أنه وبعد أن أصبح الرجل والمرأة واعيين بنفسهيما وبالآخر، أصبحا واعيين بانفصالهما وباختلافهما، وأنهما ينتميان إلى جنسين مختلفين، ومع كل هذا الوعي والإدراك بالاختلاف عن الآخر، إلا أنهما ظلا غريبين؛ لأنهما لم يكونا قد تعلما بعد أن يُحبا بعضيهما "كما يتضح تماما من أن آدم يدافع عن نفسه بتوجيه اللوم إلى حواء بدلا من أن يدافع عنها"، وهذه القصة تؤكد أن الانفصال الإنساني بدون الاتحاد من جديد عن طريق الحب هو مصدر الإثم والقلق؛ فبدون الحب ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يوما واحدا.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الحب ليس إحساسا عاطفيا يمكن للإنسان أن ينغمر فيه بسهولة من قبل أي إنسان بغض النظر عن مستوى النضج الذي وصل إليه، فجميع محاولاتك للحب مقضيٌّ عليها بالفشل ما لم تحاول محاولة أكثر فاعلية لتطوير شخصيتك الكلية، وذلك لكي تُبقي فتيل العاطفة متقدا ما دمت تشعر بالحاجة إليه.

لا يكُون الحب ممكنا إلا إذا تواصل شخصان معا من مركز وجودهما، ومن ثم إذا عاش كل منهما نفسه من مركز وجوده، ففي هذه الإعاشة المركزية تكمن الحقيقة الإنسانية، هنا فقط تكمن الحياة، هنا فقط يوجد أساس الحب.

والحبُّ المعاش على هذا النحو هو تحدٍّ دائم، إنه ليس مُستقرًا للراحة، بل هو تحرُّك ونمو، وعمل مشترك، حتى إذا كان هناك تناغم، أو كان هناك صراع، إذا كان هناك فرح أو كان هناك حزن؛ فهي مسألة ثانوية بالنسبة للحقيقة الأساسية.

فالحب يسمح لشخصين بأن يعيشا نفسيهما من ماهية وجودهما، أن يكونا واحدا كل منهما بالنسبة للآخر؛ وذلك من خلال أن يصبحا واحدا مع نفسيهما بدلا من الهروب من نفسيهما.

وإذا كنت تسأل عن دليل حضور الحب بين شخصين، فانظر إلى عمق العلاقة والحيوية والقوة في كل شخص منهما؛ فهذه هي الثمرة التي بها يدرك الحب.

تعليق عبر الفيس بوك