حيدر بن عبدالرضا اللواتي
الكثير من المُواطنين اعتقدوا أنَّ تحويل جلسة استماع مجلس الشورى إلى سرية مع وزيري المالية والاقتصاد مؤخرًا تمَّ برغبة من الوزيرين وليس من قبل أعضاء مجلس الشورى الذي يقع عليهم المسؤولية الرقابية والتشريعية والمساءلة، إلا أنَّ الأمر كان على عكس ذلك بأن اتخذ قرار تحويل الجلسة إلى غير علنية من قبل الأعضاء بالأغلبية رغم معرفتهم بأهمية مثل هذه اللقاءات. وإن دلّ هذا الأمر على شيء فإنِّما يدل على أنَّ معظم أعضاء المجلس في وادٍ، والمواطنون في وادٍ آخر، وكأنَّ هؤلاء الأعضاء يمثلون أنفسهم وليس المواطنين الذين منحوهم الأصوات لإيصالهم إلى عضوية المجلس. إذاً من حق المواطنين أن يقولوا اليوم بأنَّ هؤلاء الأعضاء الذين يبعدون أنفسهم عن مُمارسة الشفافية والصراحة مع الرأي العام، ويحاولون الابتعاد عن معاني الحوكمة والنزاهة في مثل هذه القضايا أنهم لا يمثلون من صوتوا لهم، وإنما يمثلون أنفسهم في هذا المنبر الوطني. وكان من المفترض أن يحرص كل عضو على ضرورة الإفصاح وممارسة الشفافية وليس مُعالجة القضايا من خلال السرية، وكأنما هذه القضايا لا يُمكن علاجها إلا من خلال الكتمان.
كان الجمهور يتوقع أن يستمع هو أيضاً إلى حوار ناجع وإلى أرقام يطرحها الوزيران تجاه الأمور والقضايا المطروحة على الساحة المحلية من خلال الصحف اليومية والأجهزة الإعلامية الأخرى، خاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها الدولة ويمر بها الفرد العماني. فالكل يعلم أنَّ الحكومة تمر في وضع صعب منذ عدة سنوات نتيجة لتراجع أسعار النفط من جهة، والآثار السلبية الناجمة عن استمرار جائحة كورونا منذ عام مضى من جهة أخرى، الأمر الذي ينعكس على أعمال المؤسسات والشركات والقطاعات الإنتاجية غير النفطية. لذا فالمواطن يتطّلع إلى معرفة مزيد من الحلول التي تضعها الحكومة لمواجهة الأعباء المحتملة، ويرغب في الوقت نفسه في أن يشارك في تحمل هذه المسؤولية والعبء الوطني من جانبه. وهذا لا يُمكن تحقيقه إلا من خلال اتباع الشفافية والإفصاح في كل ما تقوم به الحكومة والمجلس أمام الجمهور، وهو المبدأ الذي حرصت عليه الحكومة ومؤسساتها خلال السنوات الماضية من خلال مطالبتها للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص بضرورة تعيين متحدث رسمي لديها لتزويد وسائل الإعلام بكل ما يجري تحقيقه، وعدم إخفاء أية معلومة تهم حياة المواطن العُماني. ولكن نرى اليوم، أن مجلس الشورى الذي يجب أن يكون نبراساً للجميع، هو الذي يتحجج بإخفاء هذه المعلومات ويرضى بأن تكون الجلسات سرية، في الوقت الذي يرى الكثير من المواطنين أنه ليست هناك أسباب جوهرية مقنعة للمجلس بأن يحّول مثل هذه الجلسات إلى سرية، بل يتطلع إلى أن يقوم المجلس بمهامه فيما يتعلق بهذا الشأن وبكل وضوح وشفافية.
فالمعتاد في مثل هذه الاجتماعات أن تكون بيانات الوزراء مليئة بالأرقام التي تهم مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية سواء الإيجابية أو السلبية لها، إلا أننا افتقدنا في البيان الأخير للوزيرين هذه المرة قراءة أي رقم أو إحصاء يهم بنود المال والاقتصاد العماني، وكأننا نقرأ موضوعاً تاريخياً أو دينياً من خلال ما تم طرحه في الصحف اليومية أو ما بثته قنوات الإذاعة والتلفاز. ومن هنا جاء رد فعل الجمهور العماني الذي كان ممتعضاً كثيرًا بسبب تحويل الاجتماع إلى السرية غير ما كان معتادا في السنوات الماضية.
إنَّ أجهزة الدولة تتحدث دائماً عن ضرورة اتباع الشفافية تجاه القضايا المحلية، ونشر كل ما يهم المواطن وحياته خاصة القضايا التي تهم صحته وتعليمه وسكنه وعمله، وإذا بهذا المجلس الذي يتمتع بصلاحيات الربط والحل هو أول من يبتعد ويقرر حجب المعلومات المهمة عن الجمهور. فمن المستفيد من ذلك؟ ولماذا نعوّد المواطن عن عدم ممارسة الشفافية والإفصاح، ونتركه يخمن الأمور والمشاكل بطريقته وتفكيره.
لقد سبقني البعض سواء من المسؤولين السابقين في مجلس الشورى أوغيرهم من الإعلاميين المهتمين بهذه القضايا في التحدث عن الأسباب التي دفعت مجلس الشورى لجعل الجلسة سرية، ولكن أركز هنا على أهمية الأرقام والإحصاءات التي كان من المفترض أن تصاحب هذه البيانات المعلبة التي تورد إلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. فالجميع يأملون ألا تترسخ مثل هذه التوجهات والقناعات لدى أعضاء المجلس وتكون سابقة في الاجتماعات المُقبلة للمسؤولين الآخرين، إلا في حال إن كانت هناك أمور مستعصية أو تمس سمعة المؤسسات أو الأشخاص، عندئذ يمكن تحويلها إلى اجتماعات سرية.
لقد أصبحت الأرقام والإحصاءات والبيانات المالية اليوم هي من تحدّد مسار الدول ومعرفة الخلل فيها، فهي مهمة جدًا في العمل اليومي وفي التغطية الإعلامية، وبدونها يشعر المواطن بفراغ كبير في معرفة التغيرات والتطورات التي تحدث في الدولة. ورغم أنَّ السلطنة ومؤسساتها تزخر بهذه الإحصاءات التي تنشر بشكل دوري من قبل الجهات المعنية وخاصة من المركز العماني للإحصاءات والمعلومات التابع لوزارة الاقتصاد، والبنك المركزي العماني، وشرطة عُمان السلطانية وغيرها من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وتلك التي تنتمي للمجتمع المدني، إلا أنَّها مهملة في عملية النشر من قبل وسائل الإعلام، والمشكلة في ذلك تكمن في عدم وجود متخصصين لتحليل أهمية تلك الأرقام والإحصاءات ونقلها بصورة تناسب الجهود المبذولة في عملية التنويع الاقتصادي، بحيث أصبحت الوسائل الإعلامية تنتظر فترات للحصول على أخبار مُعلبة من المؤسسات وفق رؤاها.
ما علمناه من خلال البيان الأخير للجلسة غير العلنية لمجلس الشورى أن الوزيرين ناقشا مشروع الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2021م، وضرورة تلبية الخدمات الأساسية في مجالي التعليم والصحة، وسعي الحكومة إلى إيجاد فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص، بجانب مناقشة مشروع خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021-2025) ، مع تأكيد الجلسة على أهمية الاستدامة المالية للميزانية العامة للدولة. وهذا ليس بكافٍ معرفته في مثل هذه الظروف التي نمر بها.
ونعقتد جازمين بأنَّ عددا من القضايا تمَّت مناقشتها في تلك الجلسة تتعلق بالاقتصاد العماني والقطاعات النفطية وغير النفطية، والدعم والإنفاق العام، والنمو الاقتصادي وغيرها من الأمور المتعلقة بالمركز المالي للحكومة، وحجم الاستثمار، ومعدلاتِ الادخار، إلا أنَّ عدم معرفة بعض الأعضاء بأهمية الإفصاح هو الذي أدى إلى غياب الشفافية مع المواطنين. لذا فقدنا هذه المرة معرفة أي رقم يهم بنود المال والاقتصاد، على أمل أن يعقد في الفترة القادمة المؤتمر السنوي للموازنة العامة للدولة لعام 2021 مع وسائل الإعلام كما كان معتادًا في السنوات الماضية لمعرفة المزيد عن التطورات والجوانب الاقتصادية والمالية للدولة.