خطة اقتصادية للسواحل العمانية

المكرم/ أحمد بن عبدالله الحسني

عندما يكون لدينا 3165 كيلومتراً من السواحل البحرية الممتدة كشريط مائي مثير لايزال في معظمه إلى اليوم بِكراً صافياً ومحفّزاً قوياً فكم نتوقع حجم الإيرادات السنوية المفترض أن تجنيها السلطنة من هذا الشريط، وكم حجم الوظائف وفرص الأعمال التي يمكن إنتاجها من خلاله لو أوليناه التركيز الذي يستحقه.

 

وعندما نتحدث بلغة الإيرادات واعتبار توسيع قاعدتها بالنسبة للسلطنة أولوية وضرورة قصوى فإنَّ هذا الساحل الذهبي الطويل بشواطئه وجزره وأخواره وخلجانه يتطلب الانتقال به وتطوير النظرة إليه في خطوتين؛ أولاهما أن نتعامل مع السواحل والشواطئ العمانية كقطاع اقتصادي إستراتيجي يفوق من حيث الأهمية والاهتمام الموارد والثروات الطبيعية الأخرى، ومن الممكن جداً أن تجني منه السلطنة الخير الكثير وبشكل مستدام.

وثانيهما أن نصمم ونوجد لهذا الساحل الأبيض خطة اقتصادية تختص به تحديداً من بداية أول نقطة له وإلى آخر نقطة ينتهي عندها، نعم خطة اقتصادية للسواحل وليس استراتيجية عمرانية أو تخطيط إسكاني أو مسح بيئي إذا أردنا حقاً إحداث نقلة نوعية مباشرة فيه وجعله اقتصاداً ومحركاً يُعتمد عليه، فهو أحد نقاط القوة الاقتصادية للسلطنة ومصدر مضمون للإقدام على إجراء التحول الذي ينتظره.

كيف نُريد أن تكون سواحل السلطنة خلال العشرين سنة القادمة، وماذا نتصور مشهدها البانورامي العام بعد تلك المدة وما هي التقديرات التي نضعها لرفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي ونمو أنشطة الاقتصاد الوطني على امتداد هذه السواحل.

أمامنا 20 سنة من العمل الجاد في إطار الرؤية الوطنية تمثل فرصة ثمينة لصنع دولة جديدة بمواصفات وخصائص المستقبل في هذا القرن الحادي والعشرين الزاخر بالتقدم والفرص، فكيف نطمح لتصميم السلطنة خلال العشرين سنة القادمة وكيف نتخيل ملامحها مادمنا نسعى ونهدف إلى توفير موارد مالية جديدة للدولة والنجاح في تقليل الاعتماد على النفط والمنتجات الهيدروكربونية كمصادر رئيسية للإيرادات.

 أنّى للتنويع أن ينجح عملياً إذا لم نتقدم شبراً في استغلال مواردنا، هناك فرق بين أن ننتظر تحسن الأوضاع المالية وبين الحركة الدؤوبة لتنمية الإيرادات واتخاذ خطوات عملية لإحداث اختراق ملموس وفعلي تجاه قطاعات اقتصادية نابضة بالحياة والآمال الواعدة.

فاقتصاد السواحل والشواطئ تقوم عليه صناعات وخدمات ومنتجات وقيم مضافة لاحصر لها أكثر من خيرات البحر نفسه وهو أكبر حجماً وأكثر تنوعاً وأدوَم استمراراً ولا ينضب، ويبرز كشريان للتنمية والحياة والحركة النشطة ويخترق معظم محافظات البلاد فاتحاً الأبواب والآفاق على جانبي البر والبحر لنشاط وازدهار غير محدود ينهض بالكثير من النمو والتفاعل والانتعاش.

 

منذ قديم الزمان والبحر والاقتصاد صديقان تجمعهما علاقة حميمة، وتتفنن الدول في كيفية جذب البحر وسواحله للاقتصاد والأموال وفرص العمل، ومن حباها الله سبحانه وتعالى بشريط مائي بحري أو نهري بنت اقتصادها عليه وأبدعت في أنماط سكن مواطنيها في أجزاء منه فتحولت إلى مجتمعات إنتاجية ذات حياة متفاعلة مع بهجة وأفق المياه ومتعتها "وجعلنا من الماء كل شيء حي" وثلاثة يذهبن الحزن، الماء والخضرة والوجه الحسن" .

وحيثما يجول المرء بناظريه في هذا العالم الفسيح تحضره مشاهد المدن البحرية الناجحة اقتصادياً إلى حد الاندهاش من روعتها وما تضيفه لاقتصاديات أوطانها، وما تزال تتجدد ويتضاعف نجاحها إلى اليوم، حيث تحولت من مجرد ساحل مهجور أو شاطئ متواضع للصيد إلى نطاقات صاعدة ذات قوة اقتصادية تجارية وسياحية وتنموية هائلة قائمة ومعتمدة كلها على شريطها المائي فأضافت الكثير إلى الناتج المحلي وأنتجت آلاف الفرص لسوق الوظائف.

 

وهناك الكثير من نماذج السواحل والمدن البحرية المشهود لها بالنجاح الاقتصادي والإبهار الحضاري شرقاً وغرباً، ومعظم المسؤولين سواء في الإطار الرسمي أو الشخصي كثيراً ما يزورون ويطلعون على هذه التجارب. كل ما علينا أن نوسع حدقة العين لنرى بصورة أكبر ما يُمكن عمله تجاه موارد موجودة أمام ناظرينا وفي متناول أيدينا.

لا يُمكن التعامل مع هذا الحزام الإستراتيجي المهم للدولة وللمواطنين على امتداده من دون خارطة طريق اقتصادية واضحة المعالم والأهداف والنتائج، ومن غير المجدي الاستمرار في ممارسات انتقاء موقع هنا ومشروع هناك ومنشأة على ذلك الساحل ومصنع وميناء ومجتمع عمراني في ذلك الشاطئ، فقطاع السواحل والشواطئ لايعني منشآت فندقية ومنتجعات وأندية بحرية فحسب بل مزيج مدروس من الاقتصاد الشامل والمتنوع مصمم وفق خطة اقتصادية تركز عليه خصيصاً.

رساله للإخوة الكرام في وزارة الاقتصاد الواعدة ليكون هذا المشروع باكورةً لأولوياتها العملية داعين لهم ولكافة الجهات بالتوفيق والنجاح في خدمة عُمان وتحقيق رؤية المقام السامي لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، حيث إن قطاع السواحل بوضعه الحالي ستظل نسبة إسهامه في الاقتصاد الوطني وسوق العمل ضئيلة جداً ولا تتوازى مع الإمكانيات التي يزخر بها، وعلينا أن نمعن الفكر والعمل أكثر في سر الدعاء النبوي الشريف الذي خصَّ به رسولنا ونبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام أهل عُمان وبحرها وأرضها فكان لهم بركةً وشرفاً عظيماً "اللهم ارزقهم العفاف والكفاف والرضا بما قدرت لهم، اللهم أكثر خيرهم من بحرهم وبارك لهم في ميرتهم ولا تُسلط عليهم عدواً من غيرهم" اللهم آمين.

تعليق عبر الفيس بوك