حرص بالغ على تحقيق التكامل بين الأبعاد التنموية وفق "أولويات 2040"

50 عاما حافلة بمنجزات صون الطبيعة وحفظ التنوع الأحيائي ترفع سقف الطموح في قطاع بيئي "عناصره مستدامة ونظمه فعالة"

 

مسقط - الرؤية

يضيء اليوبيل الذهبي لنهضة عُمان الحديثة أضواءً احتفائيَّة على منجزات وطنية عمَّت أرجاء البلاد؛ فمنذ انطلاق فجر النهضة المباركة قبل 50 عامًا من الآن، خلف المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وأشرقت شموس النماء والازدهار على كل شبر من أرض عُمان الغالية، وفي جميع المجالات: الاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية، لتُكمل بلادنا اليوم مسيرة نهضتها المتجددة في العهد الزاهر الميمون، خلف القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- نحو عُمان في مصاف الدول المتقدمة بعد 20 عاماً قادمة بإذن الله تعالى.

ووسط هذا التطور، حَظِي القطاع البيئي بعين الرعاية السامية خلال العهدين الزاهرين، أحرزت معها بلادنا تقدما كبير مشهود له محليا وعالميًّا.. فمنذ بداية النهضة عملت السلطنة وفق مرتكزات بيئية مهمة، هدفها الأول الاستدامة البيئية وحفظ وصون الطبيعة العمانية والحياة الفطرية، والمضي جنبًا إلى جنب مع التطور الذي تشهده البلاد.

وفي هذا العام، ومع التوجيهات المستمرة والدائمة من قبل عاهل البلاد المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله وأبقاه- تعكف هيئة البيئة على ذات النهج الذي أرسى دعائمه السلطان الراحل -طيب الله ثراه- مستشرفةً المستقبل تزامنا مع رؤية عُمان 2040، بعدما كان لها دور مهم في إنشاء المحور الرابع من الرؤية "بيئة مستدامة.. عناصرها مستدامة"، والذي نتج عنه استحداث أولوية البيئة والموارد الطبيعية ضمن أولويات رؤية عمان 2040، بعد سلسلة من الاجتماعات والنقاشات مع المجلس الأعلى للتخطيط (وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان2040 حاليًا).

 

البيئة في الرؤية المستقبلية

ويتمثِّل توجه الهيئة في رؤية عمان 2040 في "نظم إيكولوجية فعالة متزنة ومرنة لحماية البيئة واستدامة مواردها الطبيعية دعما للاقتصاد الوطني"، مما يتطلب من الهيئة سرعة العمل على مشاريع وفق النتائج الأولوية لفريق المؤشرات البيئية التي من شأنها رفع مؤشر الأداء البيئي لتصبح السلطنة ضمن أفضل 40 دولة في 2030 وأفضل 20 دولة في العام 2040.

كما تمثلت أهداف أولوية البيئة والموارد الطبيعية في رؤية عمان 2040 في 7 أهداف؛ أبرزها: بيئة تحقق التوازن بين المتطلبات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والعمل بقواعد التنمية المستدامة، وأوساط بيئية ذات جودة عالية وخالية من التلوث، وأمن غذائي ومائي قائم على موارد متجددة وتقنيات متطورة واستغلال أمثل للموقع الإستراتيجي والتنوع الأحيائي للسلطنة، وكذلك استخدام مستدام للموارد والثروات الطبيعية واستثمارها بما يكفل تحقيق قيمة مضافة عالية. إضافة إلى طاقة متجددة ومصادر متنوعة وترشيد للاستهلاك لتحقيق أمن الطاقة، واقتصاد أخضر ودائري يستجيب للاحتياجات الوطنية وينسجم مع التوجه العالمي، ووعي بيئي ملازم للتطبيق الفعال لقواعد الاستهلاك والإنتاج المستدامين.

وسوف تركز الهيئة في السنوات الخمس المقبلة على مجموعة من البرامج والمشاريع ومؤشرات أداء تم تحديدها واعتمادها بعد سلسلة من الاجتماعات بحضور المختصين في الهيئة، لتحقيق مجموعة من الأهداف منها أوساط بيئية ذات جودة عالية وخالية من التلوث، واستخدام مستدام للموارد والثروات الطبيعية واستثمارها بما يكفل تحقيق قيمة مضافة عالية، واقتصاد أخضر ودائري يستجيب للاحتياجات الوطنية وينسجم مع التوجه العالمي، كما تم تحديد القوانين واللوائح سواء المقترحة أو التي بحاجة لتحديث، والتي يتطلبها تنفيذ برامج ومشاريع أولوية البيئة والموارد الطبيعية.

 

التكامل بين الأبعاد التنموية

وإضافة لذلك، فقد كان للهيئة مشاركات في بعض الأولويات الوطنية الأخرى؛ مثل أولوية التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، وتمثل هدفها في هذه الأولوية في: سياسات مالية ونقدية واقتصادية مستنيرة متكاملة ومستدامة وموازنات توظف الايرادات العامة بفاعلية، وكذلك أولوية الصحة، في "مبادرة الصحة من الجميع إلى الجميع"، كما تقوم الهيئة حاليا -وبالتعاون مع وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040- بالعمل على مواءمة إستراتيجياتها وفق توجهات وأهداف ومؤشرات رؤية عمان 2040، وصياغة خططها بما لا يتعارض مع أهدافها وبرامجها في رؤية عمان 2040.

 

صون الطبيعة

وخلال 50 عاماً زاهرة، توالت الإنجازات في مجال صون الطبيعة، وحرصت حكومة جلالة السلطان المعظم على صون التنوع الأحيائي، فتم وضع عدة آليات لحماية الحياة الفطرية وصون مواطنها الطبيعية، تجلت في إصدار القوانين والتشريعات وإعلان المحميات الطبيعية والقيام بعمليات المراقبة الدورية لحماية الحياة الفطرية؛ وذلك عبر وحدات الحماية والاهتمام بالدراسات والبحوث الميدانية، إلى جانب صون المواطن الطبيعية؛ من خلال إعادة تأهيل المتضرر من البيئات والنظم البيئية الطبيعية وتقييم المشاريع التنموية قبل أن يتم تنفيذها لمنع أو تقليل الضرر الذي قد تلحقه هذه المشاريع بالحياة الفطرية ووضع الأسس والمبادئ لتنظيم عملية استخدام البيئات والاستفادة من الموارد الطبيعية.

 

حماية البيئة البحرية

وفي إطار سعي الهيئة لحماية البيئة البحرية وصون مفرداتها، عملت دائرة صون البيئة البحرية على مراقبة جودة مياه البحر؛ من خلال مراقبة مستويات المغذيات والملوثات، إضافة للخصائص الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية والرواسب والمؤشرات الحيوية للكشف عن وجود الملوثات وذلك على مستوى السلطنة. كما قامت الهيئة جنبا إلى جنب مع بعض المؤسسات ذات العلاقة -مثل: جامعة السلطان قابوس ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه- برصد الملوثات في البيئة البحرية والشاطئية.

 

إستراتيجية التنوع الأحيائي

وفي ذات الإطار، فقد تم الانتهاء من إعداد مسودة تحديث الإستراتيجية الوطنية وخطة عمل التنوع الأحيائي؛ بما يتناسب مع الإستراتيجية العالمية للتنوع الأحيائي (2011-2020) وأهداف "إيتشي" العشرين، حيث أقر مؤتمر الأطراف العاشر الدول بأن تقوم بإعداد ووضع أهداف ومؤشرات وخطط عمل وطنية تتوافق والخطة الاستراتيجية العشرية للتنوع الأحيائي. وفي هذا السياق قامت السلطنة بوضع 23 هدفا وطنيا رئيسيا تتعلق بالإدارة المستدامة والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الاحيائي والأنظمة البيئية.

 

مكافحة التصحر

ومنذ سنوات طوال، بذلت السلطنة جهودًا كبيرة على كافة الأصعدة الوطنية والدولية لمكافحة التصحر والحد من تدهور الأراضي والجفاف، وقد تمَّ اتخاذ العديد من الإجراءات للتخفيف والحد من هذه المشكلة البيئية؛ عبر وضع الأطر التنظيمية والتشريعية، وإعداد البرامج وخطط العمل الوطنية وإجراء الدراسات والبحوث وتنفيذ بعض المشاريع في مختلف محافظات السلطنة المتأثرة بعوامل التصحر.

كما تعمل بلادنا في هذا الإطار ضمن منظومة التعاون والتكامل والتنسيق مع مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة وبشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، وقامت بتحديث الخطة الوطنية لمكافحة التصحر التي تم إعدادها في العام 2005م، وفق الإطار الإستراتيجي الجديد للاتفاقية (2018-2030م)، والذي تم إقراره في الدورة الثالثة عشر لمؤتمر الأطراف الذي تم عقده في مدينة أوردوس بجمهورية الصين في سبتمبر 2017م؛ حيث يتضمن هذا الإطار أهداف إستراتيجية ومؤشرات اداء تتطلب توفير بيانات لقياس مستوى التقدم المحرز في مكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف.

 

مبادرة أشجار

كما أطلقت الهيئة مبادرة "أشجار"؛ بهدف التخفيف من ظاهرة التصحر والحد من تدهور الأراضي، والحفاظ على التنوع الأحيائي النباتي والمحافظة على الأشجار والنباتات البرية العمانية؛ من خلال إكثارها والتوسع في زراعتها؛ نظرا للأهمية البيئية والاقتصادية والثقافية للأشجار والنباتات البرية كونها مصدرا كبيرا للصناعات الغذائية والدوائية، إضافة إلى أنها تدعم حياة الكثير من الكائنات الحية وتحافظ على توازن الأنظمة البيئية.

وفي هذا العام، أطلقت الهيئة مبادرة استزراع 10 ملايين شجرة، بهدف زيادة وتحسين الغطاء النباتي في المناطق الطبيعية الرعوية والمتدهورة وزيادة مخزونات الكربون، ورفع الوعي بأهمية زيادة المساحة الخضراء وفوائدها على البيئة والمجتمع، ومساهمة جميع شرائح المجتمع في المحافظة على البيئة الطبيعية وإمكانية الاستفادة اقتصاديا من بعض الأنواع النباتية. كما تهدف إلى تفعيل مشاركة المجتمع في الحفاظ على النباتات البرية والحفاظ على التنوع النباتي، وذلك ضمن رؤية المبادرة التي تستمر على مدى 10 سنوات حتى عام 2030م.

 

برنامج "بحار نظيفة"

ومن ثمار الرعاية السامية لمسيرة العمل البيئي طوال الخمسين عاما الفائتة، فقد باشرت السلطنة العمل على برنامج "بحار نظيفة" لحملات تنظيف بيئات الشعاب المرجانية (حملات غوص) لإزالة المخلفات على الشعاب المرجانية، وتوعية الصيادين في مختلف محافظات وولايات السلطنة، وهي مبادرة شارك فيها موظفو الوزارة في المناطق وعدد من الجهات المعنية وطلاب الجامعات والكليات وبعض الفرق التطوعية وشركات القطاع الخاص، ويعدُّ هذا من أحد أهداف رؤية عُمان 2040 في المجال البيئي للاستخدام المستدام للثروات الطبيعية، كما عملت الهيئة مؤخرًا على مسح شامل لسواحل محافظات السلطنة، لحصر حالات نفوق وجنوح الثدييات والسلاحف البحرية وتقييم الشواطئ بحصر أنواع المخلفات وشباك الصيد والمنشآت القريبة منها، حيث تم الانتهاء من مسح شواطئ محافظة الوسطى وبعض شواطئ محافظة مسندم وشواطئ محافظة جنوب الشرقية عدا جزيرة مصيرة، وشواطئ محافظة ظفار عدا جزر الحلانيات، وجارٍ استكمال المحافظات الساحلية الأخرى.

 

مركز التقييم البيئي

وبالتوازي مع ذلك، يعمل مركز التقييم البيئي والتصاريح على إصدار التصاريح البيئية، وهي تعد وثيقة قانونية تسمح للمالك بممارسة نشاط معين بعد التأكد من سالمته بيئيًا، وتقوم الهيئة بتحديد عدد الاشتراطات البيئية التي يجب على صاحب المشروع الالتزام بها لإدارة بيئية ممتازة؛ بهدف حماية صحة الإنسان والبيئة العمانية، وتأكد من تحقق التنمية المستدامة دون إلحاق الضرر بالبيئة.

كما  يتمُّ إصدار التصريح البيئي وفق فئة المشروع؛ منها: المشاريع ذات التأثير البيئي العالي، والتي تتطلب إعداد دراسة التأثيرات البيئية للتأكد من سلامته بيئيا، والمشاريع ذات التأثير البيئي المتوسط، وفي حالة إقامته داخل المناطق الصناعية التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية والمناطق الحرة والموانئ الصناعية المعتمدة، فإنه يطلب صاحب المشروع الإقرار بالموافقة على الاشتراطات البيئية ويتم إصدار التصريح البيئي تلقائيا، أما إذا كان الموقع المقترح لإقامة المشروع خارج هذه المناطق الصناعية المعتمدة، فإنه يُتطلب من صاحب المشروع إعداد دراسة التأثيرات البيئية للتأكد من سالمته بيئيًّا. كما يتعامل المركز مع المشاريع ذات التأثير البيئي ما بين المتوسط والبسيط، ويقوم المختصون في هيئة البيئة بدراسة الطلب من حيث طبيعة المشروع والموقع وحساسيته وطاقته الإنتاجية والتأثيرات البيئية المحتملة لتحديد ما إذا كان يتطلب من صاحب المشروع إعداد دراسة التأثيرات البيئية.

 

إنشاء وإدارة المناطق المحمية

كما عمدت السلطنة إلى المحافظة على المواطن الطبيعية ونظمها البيئية وحماية الحياة الفطرية والتنوع الأحيائي من خلال إعلان المحميات الطبيعية وإقامة مناطق حماية خاصة، وحماية الأنظمة البيئية بمختلف أشكالها ومنع الأضرار والتلوث الذي قد يلحق بالموائل الطبيعية التي تعيش فيها هذه الأنواع، وقد أدركت السلطنة ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي أهمية إنشاء المحميات الطبيعية بإصدار قانون الحدائق الوطنية والمواقع الطبيعية المحمية بموجب المرسوم السلطاني رقم 26/1979.

وحرصت بلادنا كذلك على إعلان عدد من تلك المواقع المقترحة كمحميات طبيعية وصل عددها في نهاية العام 2019م إلى 24 محمية طبيعية معلنة بمراسيم سلطانية وأوامر سامية، وفي العام 2019م تكلل حرص صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- لصون الطبيعة وحماية الحياة الفطرية بإعلان محمية الحجر الغربي لأضواء النجوم فـي محافظة الداخلية بالمرسوم السلطاني رقم (40/2019)، ومحمية الرستاق للحياة البرية فـي محافظة جنوب الباطنة بالمرسوم السلطاني رقم (41/2019).

تعليق عبر الفيس بوك