الصعود المستمر للصين سيقضي على تفوق الولايات المتحدة

"الانعزالية".. رؤية سياسية جديدة لأمريكا "لا تدير العالم ولا تهرب منه"

ترجمة - الرؤية

نَجَح الكاتبُ والمؤلفُ تشارلز إيه. كوبشان في تسليط مصابيح ضوئية مكثفة على مفهوم "الانعزالية الأمريكية"، ورَصَد هذه النزعة منذ تأسيس الولايات المتحدة وحتى عهد الرئيس دونالد ترامب، وذلك في كتابه "الانعزالية.. تاريخ المساعي الأمريكية للتحصن من العالم".

ففي خطاب الوداع الذي ألقاه عام 1796، حذر الرئيس جورج واشنطن الأمة الفتية من "الابتعاد عن التحالفات الدائمة مع أي جزء من العالم الخارجي". لكن الانعزالية بعد ذلك أصبحت واحدة من أكثر الاتجاهات السياسية تأثيرًا في التاريخ الأمريكي. فمنذ حقبة التأسيس وحتى الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور، تجنبت الولايات المتحدة الالتزامات الإستراتيجية في الخارج، ولم تقُم سوى بتحولات قصيرة خلال الحرب الإسبانية الأمريكية والحرب العالمية الأولى، وفي خضم الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة؛ حيث تخلى الأمريكيون عن الانعزالية؛ إذ حاولوا إدارة العالم بدلاً من الهروب منه.

لكنَّ الانعزالية عادت مجددا مع سأم الأمريكيين من الانخراط في معارك خارجية، وفي هذا التحليل النهائي والحصري -وهو أول كتاب يروي قصة رائعة عن الانعزالية عبر التاريخ الأمريكي- يستكشف تشارلز كوبشان العلاقة الدائمة بين الدافع الانعزالي والتجربة الأمريكية. كما أنه يرسخ لفكرة الانعزالية بحجَّة أنها شكلت وهمًا خطيرًا خلال مرحلة الثلاثينيات من القرن الماضي، لكنها منحت الأمريكيين مزايا إستراتيجية واضحة خلال صعودها.

وبالنسبة لتشارلز كوبتشان، فإنَّ الكتاب تذكيرٌ مفيد بأنه في حين أن الكثيرين قد يتطلعون إلى أمريكا من أجل قيادة ودعم النظام الدولي، فإن خيطًا قويًّا من الانعزالية يسري دائمًا عبر تاريخ الولايات المتحدة. وقد يساور القلق أولئك المدافعين عن استخدام أكثر حزماً وأخلاقياً للقوة الأمريكية، ويتطلعون الآن إلى رئاسة بايدن من أجل "العودة" إلى الوضع الطبيعي بعد السنوات المضطربة لدونالد ترامب. وسيكونون أكثر انزعاجًا من حجة كوبتشان بأن أمريكا يجب أن تتبع شكلًا أخف من الانعزالية اليوم، بغض النظر عن ساكن البيت الأبيض.

وكما يقول في كتابه إن الانخراط في الخارج والسعي وراء الأممية الليبرالية كلف أمريكا العزيز والغالي، يروي أن تجارب الحرب الباردة، والصراعات في العراق وأفغانستان، ورطت الولايات المتحدة في مشاكل باهظة التكلفة. وانتهى الأمر بأمريكا إلى الدور غير المريح باعتبارها "شرطي العالم" غير القادر على تلبية المطالب المتعددة الملقاة على عاتقه دوليًّا. وفي الداخل، أصبحت المغامرات الخارجية وما يرتبط بها من تكاليف بشرية وسياسية واقتصادية، مصدرًا لتزايد السخط الشعبي.

ويقول كوبتشان إنه على هذه الخلفية تبلورت فكرة كتابه عندما جادل أيضًا السياسيين الأمريكيين بضرورة أن "يتوقفوا عن التظاهر بأن الولايات المتحدة تدير العالم". وبدلاً من ذلك -كما يقول- يجب على أمريكا أن تلجأ إلى شيء من الوسطية حيث لا تدير العالم ولا تهرب منه. لذا، يؤكد المؤلف استئناف الدور النشط في الهيئات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، لكن لا لأية مهام عسكرية أحادية الجانب فيما يسميه "المحيط الاستراتيجي" وهو الشرق الأوسط.

وبالنسبة لكوبشان، يتوافق هذا الأمر فقط مع الحقائق المتغيرة للقرن الحادي والعشرين، فيقول: "إن الصعود المستمر للصين سيؤدي قريبًا إلى إنهاء تفوق الولايات المتحدة"، كما يكتب بشكل واقعي. فقد كان جريئًا بما يكفي ليشير إلى أن أمريكا قد لا تمتلك القرن الحادي والعشرين.

ويأتي الكتاب في لحظة فاصلة؛ حيث يعكف بايدن على تفكيك ما أنتجته سياسة ترامب "أمريكا أولاً". وقد يسعى الرئيس الجديد إلى تمييز نفسه عن سلفه، وإعادة تشغيل التحالفات ومواجهة الصين لكن في الوقت نفسه يلجأ إلى تقليل التشابكات الخارجية.

ويُواجه بايدن قيودًا دقيقة؛ حيث سيتعين عليه موازنة قوة التقدميين داخل حزبه جنبًا إلى جنب مع مجلس الشيوخ الذي قد يظل في قبضة الجمهوريين. وقد تساعد رغبته في التركيز على إعادة بناء الداخل الأمريكي، في التأثير على طموحه لإنهاء "الحروب الأبدية" في الخارج، وهي حرب تتناغم مع رؤية كوبتشان للانعزالية الجديدة.

تعليق عبر الفيس بوك