من التحدي إلى الفرصة

 

مصطفى عبد المولى السيد **

** رئيس قسم اللغة العربية بمدرسة أحمد بن ماجد الخاصة

 

الناجحون فقط وأصحاب الهمم العالية، هم القادرون على تحويل التحديات التي توقف البعض عن مسيرتهم إلى فرص مؤكدة للنجاح، خاصة لمن لديهم العزم وإمكانات التعامل لا التحايل على تلك الفرص.

 دعونا نبسط هذه البديهية على ما نمر به الآن من أحداث اجتماعية، وتعليمية، واقتصادية، نتيجة تلك الجائحة المعروفة (بكورونا)، فإذا كان العالم قد عجز حتى الآن عن إيقاف ذلك الوباء، أو مازال مشغولاً في اكتشاف علاج فعال لهذا الداء الذي حلَّ بالبشرية، ومازال مسخرا إمكاناته العلمية، وكوادره الطبية والبحثية، لهذا الأمر فعلينا نحن -الآباء والأمهات والمُعلمين - بل كل فئات المجتمع القضاء على كورونا، بتحويلها إلى فرصة جادة للاستفادة من ذلك الوضع المفروض علينا جميعاً، والدعوة إلى تغيير واقعنا بواقع آخر أجمل وأغنى.

ولا أبالغ عندما أقول: إنَّ كورونا ذاتها باتت هي المختبر الحقيقي الذي نقيس به مدى قوة أفكارنا، وسلامة مهاراتنا، في التعامل مع هذا الوضع الجديد.

 لقد باتت كورونا مختبرًا للكشف عن مشكلاتنا ومحاولة إيجاد الحلول لها ومصارحة أنفسنا أمام أنفسنا.

باتت هي المختبر لعلاقتنا مع أولادنا إذا قمنا بتحويلها لفرصة جادة للجلوس معهم والإحساس بهم والاستماع إلى أفكارهم لإعادة هيكلة تلك الأفكار وإزالة ما بها من عطب قبل أن تتحول إلى واقع ملموس - الله وحده - أعلم به إن كان سليماً أوضاراً بهم أو بغيرهم.

 ليس هناك فائز ولا خاسر في تلك المعادلة، الكل سيخسر إن لم نتحد ونقهر كورونا بالعمل وخلق الفرص فالفرصة الحقيقية لا تولد إلا من رحم التحدي، وفلق الصباح لن ينبلج إلا من دياجير الليل.

الكل مدعو على وجه السرعة للنظر في كثير من الأشياء التي لطالما كانت نعمة جلية أمامه ولكن بسبب ضيق أفقه وقلة حيلته يعتقد أنَّ تلك النعم حق مشروع، ومكتسب له ولا يعلم أنها فضل وتفضل من الخالق عليه، تستوجب الشكر والمحافظة عليها

وأول هذه الأشياء التي يجب إعادة النظر فيها وسرعة إعادة هيكلتها: علاقة الإنسان بربه

أليست هذه أكبر نعمة للإنسان إذا أوتي قدرا ونصيبا منها؟!

ثانيها: علاقتنا بأبنائنا كيف كانت؟ وكيف صارت؟ وما مستقبلها؟ إن استمرت هكذا كعلاقة الموظف بماكينة الصرف الآلي في نهاية الشهر فكل علاقته بها الضغط على بعض الأزرار لسحب بعض نقوده، ونسأل أنفسنا: متى يستقيم الظل والعود أعوج؟!

إنها فرصة أيها الأب وأيتها الأم أن نراجع أنفسنا، وأن نسمع صوت أبنائنا، ونطلع على أفكارهم، ووسائل بحثهم، وتطلعاتهم وأهدافهم، وتفقد هواتفهم، وبناء جسور للحوار والصداقة بينهم، فالأموال تعوض، والشركات والصفقات تعوض، أما ما فات من أبنائنا فلن يعوض أبداً؛ لأنَّ العقول هي التي ستجلب الأموال، وتفتح الشركات، وتعقد الصفقات وتجامل في المُناسبات ...إلخ .

ولعل فرصة التعلم عن بعد والتي باتت حديث أولياء الأمور، والمعلمين، وكل من ينتسب للحقل التربوي تثبت بما لايدع مجالاً للشك أن الحياة لابد أن تستمر، وتثبت كل يوم تلو الآخر مدى النعم التي كنَّا جميعا نرفل فيها، أقصد نعمة المدرسة، والبيئة التعليمية بصفة عامة، بكل ما تحويه الكلمة من معانٍ ودلالات .

ما أجمل منظر الطلاب والمعلمين! وهم جميعا مصطفون في ساحات المدارس يجمعهم نشيد وطني واحد تحت علم وراية وطنية واحدة (العلم الوطني) الذي يداعب وجوه طلابنا مرفرفاً بألوانه الثلاثة داعيا كل فرد للعمل والجد والسلام

 أليس هذا المشهد بقريب؟

ما أجمل مشهد الحافلات المدرسية! وهي تحمل أطفالنا مبكرين بكور الطيور حاملين حقائبهم المدرسية في استقبال يوم دراسي جديد، أليس هذا المشهد بقريب؟!

ما أجمل الصف! عندما يقف فيه المعلم مستقبلا طلابه داعياً الله أن يعينه في إيصال معلومة أو إكساب مهارة أو تنمية موهبة أو اكتشاف صفة إيجابية لطلابه، أليس هذا المشهد بقريب؟!

وعلى الرغم من ذلك فلم يتوقف المعلم عن مهنته، ولم تنته رسالته أنى ذلك؟ ورسالته من أجلِّ الرسالات وأعظمها، فهي ببساطة إن توقفت، توقف العالم، وعاد لغياهب الجهل والتخلف،

بل بالعكس ازدادت جهوده وتضاعفت مسؤولياته أمام هذا الزخم التكنولوجي المطالب به أن يسلك دربه ويعرف قضه وقضيضه، ويخوض تلك التجربة التعليمية والتي لاشك ينبغي التعامل معها بصورة إيجابية واحترافية.

ما أجمل مشهد ارتباط السماء بالأرض! وحشود المصلين في المساجد تراهم سجدا ركعا في غسق الليل ودلوك الشمس راجين من الله القبول والسداد

أليس هذا المشهد بقريب؟!

السؤال الآن هو: هل سننظر إلى تلك الأشياء بنفس النظرة القديمة إذا عادت الحياة لسابق عهدها؟

هل سنتعامل مع ربنا ومع أنفسنا وأبنائنا وأصدقائنا وعلاقتنا الاجتماعية بنفس معاييرنا القديمة إذا عادت الحياة لسابق عهدها؟

الجواب لاشك يكمن في نفس كل شخص استفاد من التجربة أليس كل هذا مدعاة لإعادة النظر في أنفسنا، ومدعاة لعدم الاستسلام فيما يواجهنا من تحديات.

أختم مقالتي بهذه الكلمة البسيطة:

إن كثرة التحديات دليل على كثرة النجاحات، فالمُستقبل لامحالة قادم، ولا يفتح ذراعيه إلا لمن أوتي من المبادرة حظًا، ومن العمل قدرا، ومن النجاح وفرا، ومن حصافة الرأي وسداد الرؤية ما يمكنه من تغيير الواقع، وتحويل التحديات إلى فرص للإنجاز والنجاح.

تعليق عبر الفيس بوك