بين التغيير والوقت

 

فاطمة الحارثية

قيل الكثير عن الوقت حتى بلغ موضع "الطبيب" كمُعالج للكثير من الأمور، ولكن في هذا الزمن الذي يمضي الشهر منه كساعة والأسبوع كدقائق، لا أعتقد أنَّه بات للوقت متسع من صبر؛ العمر يمضي سريعاً من حولنا كالوميض، وبالكاد نشعر بتغير الأمور، وتتابعها من حيث النمو والتقدم والمشكلات والتحديات والنجاحات، لا نكاد نلمس الشيء لنمتزج معه لنجده يأخذنا في رحاله، لنمضي من حياة لأخرى ومن حلول لأخرى، ومن وجهة لأخرى ومن فكر لآخر، فلا متسع لانتظار النتائج أو حتى الاحتفال بها؛ ما كان يستغرق أسبوعاً صار يستغرق الآن ساعات وغداً دقائق أو ثوانٍ ليؤتي أُكُله.

بات مُعظمنا يُدرك أن الوقت لم يعد يستطيع معالجة الأحداث، بل "الضجيج الذكي" حتى يستمر المسير، إن مسألة قبول الجديد أو لنقل التغيير، لم يعد صعباً لأن الغالبية العظمي تشتغل على صالحها الخاص "ماذا لي فيه؟" في مُعالجة أثر التغيير، بغض النظر عن الصالح العام أو المنفعة القصيرة والطويلة المدى، طبعاً لا يُعد هذا نضوجاً اجتماعياً بقدر ما هو تسليم ومُجاراة، وهذا قد يُعطي المُغير الاعتقاد أنه على صواب، مما يُؤثر على المدى الطويل على فعالية تلك الأشغال والقرارات على مقدار التطور والاستمرار والنمو؛ لانتفاء العمل المشترك والاستدامة منه؛ فـ"ماذا لي فيه؟" لا يقرأ الصورة الكبرى لأبنائه وأحفاده والمستقبل، فإدراك ذلك يحتاج إلى عين بصيرة وقلب كبير وفكر مضطلع وحكمة ضليعة.

عندما نقول إنَّ الأمور يجب أن تكون صحيحة، أو في نصابها منذ بداية العمل أو الفعل، لا يعني بأي شكل من الأشكال أنه وجب أن تكون كاملة، ولا يجب أن يُفهم الأمر كمطالبة بالمثالية أو الكمال، إن تهيئة المحيط للمتغيرات ليس بالأمر الصعب، لكن إن ائتلفت الأمور على قولي السابق، فإنَّ الوقت بات تحدياً حقيقياً، لفهم الأمور وهزيمة المقاومة وحتى الآثار الأخرى جملة وتفصيلا؛ وما نراه اليوم حيث أصبح كوفيد-19 المتهم الرئيسي في كل خيبة، والمتكأ لكل فشل، والمبرر لإحداث التغيرات، رغم إدراكنا أن ما كان صوابا منذ البدء لتمكن من تجاوز هذه الأزمة بأضرار محدودة؛ حتى من قال إن كوفيد-19 إنما عجل ما هو حتمي إذا هو إقرار بأنَّ كان ثمة خطأ منذ البدء.

الحلول كثيرة جدا، والتحدي ليس في ذلك بل في معايرتها واختيار الأنفع منها، وهنا تكمن التحديات الحقيقية بين المصالح الخاصة والعامة وبين الحاضر والمستقبل، والغالب منِّا على شبه اتفاق بأن تغيير الأسماء أو المسميات لم يعد يجدي نفعا، لذلك نلمس من الرؤى أن التوكؤ على تغيير النظم وآليات التطبيق أصبح حتميا، فهي من لها القدرة على قلب الموازين وإيفاء بعض من الطموح حقه؛ كإيجاد فرص للمركزية الإدارية، وللخصخصة، وتقليص المشاريع المكررة والمعتمدة على نفط محدود الكم والعمر والنوع، ورفع معايير التنافس، وتغيير الأسس والمنهج، وفتح أبواب التحديات الكبرى واستشراف المستقبل، والإقبال على التميز ورفض الاستنساخ أو إعادة تجارب الآخرين، وهذا يُتيح لنا ترك أشباهنا لفهم ما هو غريب عنا فلربما نجد في هذا الغريب ضالتنا للوقوف بشموخ وعزة ونيل الرخاء الذي نصبوا إليه.

إن قبول الأضداد ليس بالأمر الهين على أي أحد، لأنه يستغرق وقتاً لفهمه ومن ثم الثقة به والاعتماد عليه، والوقت ليس كافياً لذلك، حتى وإن افتعل البعض حول أن شبيهه/ نسخته مختلف من بعض النواحي، وجب الإقرار أن الثقة السريعة لا تحصل إلا لمن يشبهنا (فإن وثقت بأحد سريعاً فهو حتماً يُشبهك)، علما بأنَّ المختلف ليس عدوا بل فقط يرى الأمور بطرق مختلفة وزوايا غير مألوفة لدينا وأبعادا لم نعتد عليها، وربما تناقض معتقداتنا أو ما اعتدنا عليه، لكن لا ضرر حقيقي منها؛ أما مسألة المجادلة الطويلة لفرض أي القرارين أو الرأيين أصح إنما يحتاج الأمر إلى بعض الحكمة فمن اليسير جدًا دمج كلا الرأيين والخروج برأي ثالث أكثر نفعاً وصلابة وانتاجاً.

 

جسر...

نبقى نكرر دائماً "دون مُجيب" بأهمية مراجعة التجارب عبر التاريخ ومن حولنا لاستشراف مستقبل أفضل، وعدم وضع مستقبلنا حول دائرة "التخمين والاعتقاد والتصور/ الخيال"، فالأيدولوجيات لا تتكرر حسب ما يعتقده البعض، ولا الظروف ولا الشخوص.