هل نتوقع سياسة أمريكية متوازنة؟

عبد الله العليان

عندما نجح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الفوز بالرئاسة في الولايات المُتحدة عام 2016، حضرت أحد المؤتمرات السياسية في إحدى دول مجلس التَّعاون في الشهر نفسه الذي ظهرت فيه نتائج الانتخابات، وقد كان عنوان المُؤتمر الذي رعاه أحد كبار المسؤولين (مرحلة ما بعد فوز الجمهوريين بالرئاسة)، وانتهاء حكم الديمقراطيين، وخسارتهم للسباق، بعد فوز دونالد ترامب بالسباق، في سباقه مع هيلاري كلينتون، وقد لاحظت أنَّ الحضور الكبير، لأغلب المشاركين كانوا من الدول الأوروبية والصين واليابان، وغيرهم من الدول العربية والآسيوية، ومن خلال الأوراق المقدمة، أن شعوراً سلبياً تجاه نجاح الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب، خاصة بعد تصريحاته العديدة، التي ضمنها سياساته المقبلة، تجاه كل دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية، من حيث التغييرات السياسية والاقتصادية على الوجه الأخص، كانت التخوفات والشكوك من خلال المؤتمر، برزت لكل متابع في أحاديث وأوراق من شاركوا في هذا المؤتمر، أو من علقوا على السياسة الأمريكية المتوقعة بعد انتخاب الرئيس الجمهوري، واللافت أنَّ أغلب التوجسات كانت من بعض المشتركين من الدول الغربية نفسها، على الرغم من التقارب السياسي والاقتصادي والعسكري بينهما، وهذا ما تحقق فعلاً بعد ذلك من خلال الكثير من السياسات التي أطلقها الرئيس ترامب بعد ذلك، ولاقت انتقادات أوروبية واضحة، ومنها الموقف تجاه الاتفاق النووي الإيراني، والذي عارضته الدول الأوروبية، مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، إلى جانب الكثير من السياسات الأمريكية، التي لاقت نقداً من شركاء الولايات المتحدة الأمريكية من الأوروبيين، ورفض الاتحاد الأوروبي هذه السياسة التي تفرض من جانب واحد، ومنها مطالبة الولايات المتحدة، بعزل إيران اقتصاديا دون مبررات مقبولة وفق سياسات الاتحاد الأوروبي، ومنها إقرار آلية قضائية، لحماية الشركات الأوروبية العاملة في إيران من العقوبات الأمريكية التي وقعت فعلاً منذ عدة سنوات، إلى جانب سياساته الأخرى تجاه الصين وكوريا والعقوبات التي تتكرر بين الوقت والآخر لمجرد سياسات أو تصريحات يراها مخالفة لسياساته، وغيرها من التصريحات التي اتسمت بالحدة والتهديد بفرض عقوبات، إلى الخروج عن قرارات دولية، كانت سائدة ووفق اتفاقيات ثابتة قانونياً، وغيرها من السياسات التي انتقدها الرئيس الديمقراطي المنتخب، جو بايدن، في حملته الانتخابية.

وأذكر أن أحد المشاركين في هذا المؤتمر، انتقد هذه السياسة الأمريكية المتوقعة وكأنه وضع تحليلاً لما سيقدم عليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في حملته الانتخابية، وفي تصريحاته وبعد فوزه في الانتخابات، ويرى ريتشارد تشارنيسكي نائب رئيس البرلمان الأوروبي، أنَّ هناك عدم يقين في سياسة واشنطن من قبل الأوروبيين خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للإدارة الأمريكية، مؤكدا أنَّ "أمريكا لا يمكن الاستغناء عنها في مفهوم الغرب وفي ظل حالة التردي التي يعيشها الاتحاد الأوروبي منذ اتفاق روما، فالأزمات التي تضربه هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية سواء الأزمات الاجتماعية أو الثقافية أو بروز الأنانية وإعلاء الهوية الوطنية في كل دولة". وهذا ما برز بالفعل في العديد من السياسات التي تخالف ما استقر عليه الشركاء الأوروبيون، مع الولايات المتحدة في الكثير من القضايا التي تمَّ الاتفاق عليها منذ عقود مضت، وأراد الرئيس ترامب أن يتجاوزها.

كما أن السياسة الأمريكية، في الشرق الأوسط انقلبت على الكثير مما وعدت به الشعب الفلسطيني في العقدين الماضيين، خاصة الوعد الذي قطعه جورج بوش الابن، بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهو أيضاً من الحزب الجهوري الذي ينتمي إليه الرئيس دونالد ترامب، إلى جانب التطمينات الأخرى التي تكررها الولايات المتحدة، للقيادة الفلسطينية بين الفينة والأخرى، وهذا بلا شك انقلاب واضح من الرئيس ترامب على السياسة الأمريكية تجاه الوعود السابقة، بحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية على أراضي 1967، فقد وضع الرئيس ترامب، بالتعاون مع نتياهو رئيس وزراء إسرائيل، خطة ما يسمى بـ"صفقة القرن"، التي قلبت الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في واشنطن في عهد الرئيس ببل كلينتون، ثمَّ في عهد الرئيس جورج بوش الابن رأساً على عقب، وهذا بلا شك هروب من استحقاقات وتعهدات لم يقبلها الفلسطينيون لكونها لم تعطهم الحق الكامل لكن خطة ترامب/ نتنياهو، بالقياس على الاتفاقات السابقة، فهي أرحم بكثير، لكن صفقة القرن نسفت كل الأماني والتوقعات، فيما وضعته من بنود لا تحقق أدنى المطالب للشعب الفلسطيني، كما أن قيام إدارة الرئيس الذي خسر سباقه مع بايدن في عهده الذي انتهى بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهذه سابقة، لم تقدم كل الإدارات الأمريكية السابقة عليها، لكونها مخالفة للقرارات الدولية، وبموافقة الولايات المتحدة على هذا القرار.

لقد تنفس العالم الصعداء، بما فيهم الأوروبيون، بعد خسارة دونالد ترامب، كما تم تقديم التهاني للرئيس الأمريكي الجديد، حتى قبل أن تعلن النتائج الرسمية، وهذه ظاهرة تبرز، من القلوب والنفوس، ونأمل من الرئيس جو بايدن مراجعة السياسة الأمريكية القائمة، والتي تحتاج أن تكون متوازنة وواقعية، وسياسة الرفض والإرغام والتحلل من الاتفاقيات، تخالف ما يقوله بعض الأمريكيين، إنها تخالف القيم الأمريكية في دساتيرها.