وماذا بعد يا "كورونا"؟!

 

خصيب القريني

تشكل جائحة كورونا التي ضربت مفاصل الحياة من مختلف زواياها عالميا منعطفا حقيقيا يجب الاستفادة منه والانطلاق من خلاله لمستقبل أفضل، ذلك أن الإنسان بطبعه لايتعلم إلا من خلال التجارب التي يمر بها فهي التيرمومتر الذي من خلاله يقيس وضعه وإمكانياته ويقارن ما يملك مع ما يستجد من ظروف، فقد كانت جائحة كورونا تجربة أليمة اكتوى بنيرانها العالم أجمع، فلم تعرف للحدود سبيلا أو لنوعية جنس على آخر طريقًا.

إننا في سلطنة عُمان تعودنا أن نتعلم من الدروس التي تمر بنا، وما موضوع الكوارث الناجمة عن الأنواء المناخية إلا خير دليل على قدرتنا على استيعاب العبر والعظات، فطريقة مواجهتنا للأعصاير التي تضرب شرق البلاد وجنوبها اتسمت بنوع من المهنية العالية في التعاطي مع مجرياتها منذ إعصار جونو 2007، وهذا بلاشك يحسب ضمن الإيجابيات التي تفرزها مثل هذه الكوارث بشتى أنواعها.

إن جائحة كورونا لا تبتعد كثيراً عن نطاق الكوارث المناخية في قدرتها على كشف المستور من سلبيات وعيوب في أنظمة الحياة كلها، وكما كشفت الظواهر المناخية جوانب تركزت في المجال اللوجستي أو الدعم الذي يفترض أن يكون جاهزا في مُواجهة تلك الظروف، كشف (كوفيد-19) مشاكل أخرى قد لا تخطر على بال أحد، ولعل مايهمنا هنا الجانب التعليمي وكيف يمكن أن يستمر في مثل هذه الظروف التي لو تكررت لا قدر الله، فقد وجدنا العديد من الدول التي تمكنت من الاستمرار في عملية التعليم رغم أنف الجائحة وذلك بقدرتها على استباق وتوقع الأسوأ دائماً، فقد استمرت الدراسة بصورة منتظمة إلكترونيا ولجميع الفصول بطرق حديثة كانت مجهزة مسبقاً لتلافي أي مشكلة من هذا النوع قد تحدث دون سابق إنذار، وهنا أتحدث عن نظام كامل وليس مجرد ترقيعات إلكترونية تم إعدادها على عجل لإثبات أننا مستعدون لمعالجة هذا الأمر ولو شكليًا، كما تمكن الدراسون على مستوى الجامعات من مناقشة أبحاثهم ورسائلهم الجامعية بكل يسر وسهولة، ولم يقتصر الأمر على الجانب التعليمي بل تعداه إلى أنظمة ومجالات حياتية أخرى أثبتت فعاليتها، ولم تتأثر كثيرًا بتداعيات هذه الجائحة ولعل الشركات الكبرى وخدمات المستهلكين بشتى أنواعها كانت على مستوى الحدث ولو بصورة نسبية، ولكن تحتاج لمزيد من الدعم والتطوير، وظهرت تطبيقات إلكترونية سهلت من عملية التواصل بل وأصبحت جاذبة للكثير من المتابعين بصورة ملفتة.

إنَّ قدرة أي حضارة على الاستمرار والتطور هي في الأساس نابعة من قدرتها على إيجاد منظومة تعتمد على التنبؤ بالمستقبل وإعداد البدائل لأي ظرف طارئ قبل حدوثه وليس الانتظار لحدوث كارثة أو مشكلة مُعينة ثم القيام بعمل ترقيعات لمعالجتها دون تخطيط واضح ومحكم ومحدد، فهذا في الأساس أسلوب لايُمكن الاتكاء عليه للتطور والتقدم، فهنالك الآن مؤسسات على مستوى كل دولة مهمتها التنبؤ بالمستقبل وكيفية مواجهته على مختلف مجالات الحياة سواء محلياً أو دوليا.

إن معالجة الأخطاء التي كشفتها هذه الجائحة هو الدرس الذي يجب أن نقف عنده كثيرًا وأن نستعد لمثل هكذا ظروف في أي وقت، فالكوارث لا تخبرنا عن موعدها إلا قبل فترة وجيزة وبالتالي تكون قدرتنا على تطوير أنفسنا والاستعداد لمعالجة تداعياتها ضيقة، وهنا مكمن أهمية التخطيط والتطوير والتقدم والتنبؤ.

تعليق عبر الفيس بوك