18 نوفمبر.. تاريخ خالد

خالد بن أحمد الأغبري

الثامن عشر من نوفمبر المجيد يوم غير عادي في حياة الشعب العماني.. يوم ولدت فيه عمان من جديد يوم بزغت فيه شمس النَّهضة الحديثة وفتحت عُمان أبوابها لتمد يد الصداقة والتَّعاون الإيجابي بهمة عالية وفكر مُتجدد وعزيمة متوقدة ولتكون جزءاً من حضارة هذا العالم بكل ما تعنيه هذه الحضارة من مُفردات ومفاهيم وشمولية متكاملة وكاملة مبنية على قاعدة عريضة ولغة واضحة وشفافة، وعلاقات متينة على أعلى المستويات وفي كافة الأصعدة ومشاركة هادفة واحترام متبادل، وذلك من أجل خلق حضارة راسخة ذات بعد إستراتيجي مُنتظم ومتطور يستوعب كل مفاصل الحياة بما في ذلك بناء دولة حديثة وتنمية شعب جدير بالاهتمام من حيث تعامله وصقل مواهبه وتحفيز قدراته على العطاء والبناء حاملاً لواء الحرية نافذ البصر والبصيرة كاسرًا حاجز التخلف بهمة.

ذلك الشعب الذي صنع التاريخ وصنعته الخبرة والتجربة وتغذى بالعلم والفكر والثقافة وصار عملاقاً بفطنته وذكائه وعلو شأنه ومقدرته الفائقة على فهم أمور حياته والتعاطي معها بجدارة مع مُختلف قضايا العالم وما يُحاك بين أروقتها ومن وراء الكواليس في الظلام الدامس من مخططات وتكتيكات سيئة في أهدافها عنصرية في غاياتها ظالمة في سياستها وتوجهاتها بعيدة كل البعد عن المبادئ الإنسانية والحقوقية، وخرج هذا الشعب كما يراه المنصفون بحلة جديدة متميزة بالعقلانية وبُعدِ النظر شعب تكسوه الهيبة والوقار وتحمله سفن النصر الكبير لتعبر به من دولة عانت من الإرهاصات والتخلف إلى دولة أعادت صناعة هيكلتها ورسمت حاضرها بأيد كريمة تتسم بالحكمة وبُعد النظر.. دولة ذات سيادة مُستقلة برأيها منصفة في مواقفها مخلصة في توجهاتها لاتقبل الإملاءات ولا ترضخ للآراء السلبية.. دولة ذات ثوابت ومواقف جريئة وإيجابية ومُنصفة لا تقبل التغيير المُمنهج من أجل إضاعة حقوق الشعوب الحرة وتركيعها بتلك الصورة المُشينة.

 هذا اليوم الذي جدد الحركة الدموية في شرايين الجسم العُماني وخلق تلك الأجواء المتجددة بالعطاء والإنجاز نحو تسيير خطى التنمية بوتيرة سريعة ومُتفاعلة.

هذا اليوم الذي سوف يطل علينا خلال الأيام القادمة يمثل ذكرى عزيزة وخالدة في وجداننا خالدة في إنجازاتنا خالدة في مشاعرنا خالدة في حركاتنا خالدة في سكوننا خالدة في وطننا الكبير عُمان خالدة في مدارسنا خالدة في مستشفياتنا خالدة في جوامعنا ومساجدنا خالدة في جامعاتنا ومعاهدنا خالدة في محطات توليد الطاقة الكهربائية وتكرير المياه خالدة في مسارات الطرق المُعبدة خالدة في موانئنا ومطاراتنا التي تربطنا بالعالم الخارجي خالدة في مواقفنا الإنسانية وسياستنا الخارجية خالدة في كل زاوية من زوايا هذا الوطن العزيز.

إنها ذكرى مولد السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه وغفر له- سيد الحضارة العُمانية، وسيد التنمية العُمانية على مدى 5 عقود، وسيد المواقف الحكيمة، وسيد هذا البلد العريق الذي استطاع أن يقف شامخًا على أرضية صلبة قوامها العدل والمُساواة وشعارها الوطن للجميع وهدفها المُحافظة على كيانها وغايتها نشر مظلة السلام والوئام لتعم كافة شعوب العالم.

لقد شاءت الأقدار أن نحتفي هذا العام بهذه الذكرى الخالدة ونحنُ نفتقد تلك الشخصية الفذة النَّادرة التي رحلت عن عالمنا إلى جوار ربها بعد خمسين سنة قضيناها تحت قيادته في أمن واستقرار ونماء ورفاهية وازدهار قضيناها في محبة ومودة ووئام وانسجام بين قائد حكيم وشعب وفي.

ترك لنا السلطان قابوس هذا الإرث الكبير من الإنجازات لتظل بلادنا عامرة به وصامدة بمقوماته وعظيمة بمضامينه وفلسفته الحضارية التي عمَّت مختلف مفاصل الحياة.. إنها شخصية السُّلطان قابوس- طيب الله ثراه وجزاه الله عنَّا خيرالجزاء وأسكنه فسيح جناته الذي لم يبخل على وطنه وشعبه بكل ما أوتي من إمكانيات مادية ومعنوية ومن جهد متواصل وفكر متقد وعمل مخلص وسياسة بارعة وشهامة فائقة، وحلم تاجه الكرم وغطاؤه الوفاء ومسلكه الخير والبناء.

إنِّه الأب الحنون الذي فارقنا جسده لكنه بقي معنا بروحه ومآثره وتوجهاته وعطائه وإنجازاته ومواقفه الكريمة وسيرته الخيرة سيبقى تاجاً على رأس عمان والعمانيين وسيبقى خالداً في ذاكرة التاريخ وسيبقى نهجه محل تقدير واحترام وستواصل عُمان مسيرتها وسيبقى العمانيون ملتزمون أمام القيادة الرشيدة لجلالة السلطان المُعظم هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ملتزمون بالوفاء والإخلاص ملتزمون بأن يكونوا قلباً نابضاً ويدًا واحدة ومشاعر أخوية متفاعلة تجمعها الوطنية وترافقها منجزات النهضة وتلتحم معها مسيرة عمان الظافرة.

إن وقفتنا مع حاضرنا المشرق بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- وما نشعر به من ارتياح شعبي ودولي يدل دلالة واضحة على أن اختيار السلطان قابوس لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أبقاه الله- لتولي مقاليد الحكم في البلاد، لم يأتِ من فراغ بل هو امتداد ضمني وفكري يهدف إلى وضع تلك الأمانة في محلها والثقة التراكمية التي تأسست مرتكزاتها على جملة من المعايير والقواعد التي انتهجها السلطان الراحل من خلال فلسفته الخاصة ونظرته الثاقبة وتقييمه الواضح الذي برز من خلال اختياره للشخصية التي ستخلفه، لمُواصلة المسيرة العُمانية مما يؤكد أنَّ الدور المحوري الذي يقوم به جلالة السلطان المفدى سيخلق بيئة إدارية واقتصادية واجتماعية وسياسية متفاعلة ومتطورة تنعم بفكر مُتجدد وصحوة عملاقة في جميع مناشط الحياة بما يتوافق مع احتياجات ومتطلبات المرحلة القادمة من مُعطيات متميزة وروح عملية نشطة ذات بعد اجتماعي واقتصادي وسياسي.

لا شك أيضا أن الرؤية السامية للتطوير والتحديث ستنعكس على أساليب وقواعد الإدارة الجديدة وما صاحبها من تغيرات على مستوى القيادات الوزارية والأطقم المساعدة، وقد حرص جلالة السلطان- حفظه الله- على تجديد الدماء وتحديث هيكلة الحكومة في كافة المرافق والمستويات مع حرصه على مُتابعة مسارات التنمية الشاملة ورفع كفاءات الأيدي العاملة وتطوير آليات الإدارة الحديثة، وهذا ما سوف يفتح أمامنا آفاقاً جديدة من العطاء والعمل المتواصل والجهد المخلص.

حفظ الله عُمان وقائدها وشعبها وكل عام والجميع بخير.

تعليق عبر الفيس بوك