"الصين ثم الصين ثم الصين ثم روسيا".. أولويات الرئيس الأمريكي المنتخب

بايدن يسعى لترتيب "الأوراق المبعثرة" في السياسة الخارجية.. والصين وأوروبا وإيران على رأس القائمة

ترجمة - رنا عبدالحكيم

رَصَد تقريرٌ نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية جُملة من النتائج المترتبة على وصول الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى سدة الحكم، وتوليه المسؤولية في يناير المقبل داخل البيت الأبيض.

وقالتْ الصحيفة -في مستهل التقرير- إنَّ بايدن وعد بوضع حد للنهج الانعزالي لسلفه الجمهوري دونالد ترامب، والذي تسبَّب في إرباك العلاقات العالمية، غير أنها أشارت إلى أن محاولة إدارة بايدن لاستعادة القيادة الأمريكية ستتطلب وقتًا ورأس مال سياسي، في وقت أصبح فيه الدور العالمي للقوة العظمى الأولى محل شك في الداخل والخارج على السواء.

وبينما من غير المرجَّح أن يسمع الدبلوماسيون عبارة "أمريكا أولاً" مرة أخرى لفترة من الوقت، سيواجه بايدن تحديات تشمل مواجهة الصين، وإعادة الدخول في الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة ضبط العلاقات مع أوروبا، والتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتداعيات ذلك على العلاقات الأمريكية مع المملكة المتحدة.

وحرصًا على إعادة بناء التحالفات الأوروبية التي تجاهلها ترامب مرارًا وتكرارًا، من المرجح أن يكون بايدن أكثر رؤساء الولايات المتحدة ميلا للتوجه نحو الأطلسي منذ عقود. فلطالما افتخر بايدن بتراثه الأيرلندي؛ الأمر الذي يُؤكد أنه سيسعَى لمحو عداء ترامب الملعن للاتحاد الأوروبي، وسيكون بايدن داعماً قوياً لحلف شمال الأطلسي "ناتو".

الاتحاد الأوروبي

ويعارض الرئيس المنتخب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم قبوله كأمر واقع. ومع ذلك، سيجد بايدن أنه من الأسهل العمل مع المملكة المتحدة إذا تمكنت تجنب "الطلاق" دون صفقة مع أوروبا التي تحترم اتفاقيات الحدود الأيرلندية.

ووعد بايدن بتشديد موقف الولايات المتحدة تجاه روسيا و"فرض عقوبات حقيقية" عليها بسبب انتهاكاتها للمعايير الدولية. ويهدف بايدن بدعمه لقوة الناتو إلى مواجهة روسيا، وقد تعهَّد بالوقوف إلى جانب المجتمع المدني الروسي ضد ما يسميه "النظام الاستبدادي الفاسد" للرئيس فلاديمير بوتين. ومع ذلك، سيتعين عليه أن يدشن بسرعة مفاوضات مع موسكو لتمديد معاهدة "نيو ستارت" لتخفيض مستوى التسلح النووي قبل أن ينتهي أجلها في 5 فبراير المقبل.

وفي حين أن العديد من المسؤولين الأوروبيين تعاملوا مع ترامب بأسلوبه الفظ -بما في ذلك إجبار حلفاء الناتو على المزيد من الإنفاق الدفاعي، وانسحاب القوات الأمريكية من ألمانيا- إلا أنهم ما زالوا يرون أن القوة العسكرية الأمريكية التي تدعم الناتو ضرورية لأمن أوروبا. وعبروا عن رغبتهم أكثر من مرة لأن تشارك واشنطن بشكل أكبر في التعاطي مع الأزمات الإقليمية من بيلاروسيا إلى شرق البحر المتوسط.

الشرق الأوسط

كما وعد الرئيس الأمريكي المنتخب بالانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب، إذا عادت طهران إلى الامتثال للاتفاق متعدد الأطراف، والمصمَّم لكبح طموحاتها النووية. وتعهد أيضا بإعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية. لكن على غرار دونالد ترامب، يريد بايدن إنهاء حروب أمريكا إلى الأبد، ويخطط لتغيير ولاءات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولن ينقل بايدن السفارة الأمريكية من القدس، بعدما نقلها ترامب من تل أبيب إلى القدس في 2018. كما لا يخطط بايدن للضغط من أجل حل الدولتين (فلسطين وإسرائيل). وأوضح كبار مستشاري بايدن أن أولويات سياسته الخارجية "تكمن في مكان آخر".

وعلى الجانب الآخر، تريد إيران تعويضًا عن معاملة إدارة ترامب لها؛ من خلال رفع جميع العقوبات في مقابل عودتها إلى الاتفاق النووي. وفي الوقت الحاضر، لا تزال طهران تطور برنامجها الصاروخي.

لكن وفي غضون ذلك، تشعر المملكة العربية السعودية بالقلق من أنَّ إدارة بايدن قد تُوقف مبيعات الأسلحة للرياض، وتفرض فتورًا جديدًا على العلاقات السعودية الأمريكية.

أمَّا دولة الإمارات العربية المتحدة، فتود أن تتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر تشددًا ضد تركيا، إذا وافق بايدن على الدخول مرة أخرى في الاتفاق الإيراني، لضمان معالجة قضية برنامج إيران الصاروخي ودعمها الميليشيات في المنطقة أيضًا. وتأمل أبوظبي الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات مع القوى الإقليمية في أي محادثات مع إيران.

الملف الصيني

ووصف أحد مستشاري بايدن أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب بأنها "الصين ثم الصين ثم الصين ثم روسيا". وسيرث فريق بايدن الديمقراطي مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية التي تنظر إلى بكين باهتمام أكبر بكثير مما كانت عليه في عهد باراك أوباما. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح مزيج التعاون والمنافسة والمواجهة الذي سيستخدمه بايدن للتعامل مع القوة الصاعدة المنافسة للولايات المتحدة.

وبينما سيرفض على الأرجح تأييد حرب باردة جديدة قد تعرض دور أمريكا العالمي الرائد لتهديد آخر، فإن بايدن سيسعى للتراجع عن الاتفاقيات التي تتحكم في التكنولوجيا والاستثمارات التقنية، وسيحافظ على وجود عسكري أمريكي قوي على أعتاب الصين.

ويعتقد بعض الخبراء أن الصين ستتنفس الصعداء مع وجود بايدن في الحكم. ويأمل الأوروبيون من الولايات المتحدة خطابا علنيا أقل عدوانية مما كان عليه خلال سنوات ترامب، لكن العديد من المسؤولين يتوقعون القليل من الهدوء في الضغط القادم من واشنطن، فيما تتحول أوروبا نحو مزيد من الشك تجاه بكين.

التجارة العالمية

لدى بايدن بعض الاتجاهات الحمائية نفسها مثل ترامب، فمثلا يقترح إلزام الوزارات والهيئات الحكومية بشراء الخدمات والسلع الأمريكية فقط، ومن المحتمل أن يعلق الضريبة المفروضة على الشركات الأمريكية التي تنقل الوظائف والتصنيع إلى الخارج. لكنه مثل ترامب، يجادل بأن منظمة التجارة العالمية بحاجة للإصلاح، وأن تكون أكثر قدرة على التعامل مع الاقتصادات غير السوقية مثل الصين.

وتماشيًا مع سياسته الخارجية الأوسع، يأمل بايدن خفض التوترات التجارية مع أوروبا، لكن هذا يعني حل بعض الخلافات الرئيسية؛ بما في ذلك الخلاف المستمر منذ عقود حول إعانات شركات الطيران والجدل حول كيفية فرض ضرائب عادلة على شركات التكنولوجيا الكبرى.

المناخ

وتعهَّد بايدن بالانضمام إلى اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، التي انسحبت منها الولايات المتحدة يوم الأربعاء، ويخطط لدمج أهداف تغير المناخ في كل جانب من جوانب السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي والتجارة. ووضع بايدن هدفًا ويتمثل في خفض الانبعاثات الصافية بحلول العام 2050 للولايات المتحدة، وتعهد بالاعتماد كليًا على الطاقة النظيفة وحتى تصديرها.

وقال أيضًا إنه سيقود جهدًا عالميًا لضمان أن ترفع كل دولة كبيرة من الدول التي تنبعث منها انبعاثات الكربون طموحاتها الخاصة بأهداف المناخ المحلية، بأهداف شفافة وقابلة للتنفيذ، مع وضع الصين في الاعتبار بشكل خاص.

تعليق عبر الفيس بوك