ما بعد الطلاق (1)

د. صالح بن سعيد بن هلال الحوسني

الإنسان كائن اجتماعي يتداخل ويتواصل مع بني جنسه بحسب المصالح التي تربطه معهم، ولذلك فهو يحتاج إلى غيره لسد حاجاته النفسية والفطرية والمعيشية وغيرها من الحاجات، كما قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، ومن حكمة الله تعالى أن جعل البعض من الناس مكملاً للبعض الآخر ليتحقق تبادل المنافع والخدمات بين النَّاس، كما قال تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ورحمة ربك خير مما يجمعون).

ومن أعظم تلك الصلات والوشائج التي تكون بين البشر رباط الزوجية الذي وصفه الله تعالى بأنه ميثاق غليظ (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، ذلك لأنَّ حاجة الرجل إلى المرأة كبيرة والعكس صحيح كذلك كحاجة الواحد منِّا إلى اللباس الذي يستره وهو ما أوضحته الآية الكريمة عندما قال تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، فكل من الرجل والمرأة يحتاجان لبعضهما البعض بجانب ما يكون بينهما من المودة والرحمة والشفقة، كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).

ومع عظم هذا الرباط وشدة هذه العلاقة التي تكون بين الزوجين إلا أنها قد تتعرض لبعض المشكلات والعثرات والهزات التي تعكر صفوها وتلبد سماءها بالشقاق والنزاع وهنا لابد من الحكمة والصبر من كلا الطرفين حتى يتم تسوية تلك الخلافات، ولذا نجد التشريع الإلهي المحكم يضع من العلاجات ما يكفل رتق فتوق هذه العلاقة الزوجية، كما قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا)، وقد لا تجدي هذه الوسائل نفعاً وهنا يتم تدخل أطراف أخرى لمحاولة جمع الكلمة وإعادة الصفو والانسجام بينهما؛ كما قال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يُريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا)، بل إن الإسلام عالج ما يكون من خطرات النفس تجاه نصفه الآخر بمدافعتها وبيان أنَّ الخير الكثير قد يكون فيها كما قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).

ومع هذه الوسائل والأساليب والتشريعات المحكمة ومع الحث على الصبر والاحتمال لكلا الزوجين إلا أنَّ طريق الزوجية قد يتعثر ويصل إلى طريق مسدود ويؤول الأمر إلى الطلاق والافتراق، وقد يحسبُ البعض أنَّ الطلاقَ شرٌ مطلق وأنه لا خير فيه، والواقع أنَّ الطلاق علاج ناجع ولكن لا يُستعمل إلا وقت الحاجة فقط وبعد استكمال الكثير من العلاجات لتقويم الحياة الزوجية وإعادتها لطريق المحبة والوئام، أما عندما تستحيل الحياة الزوجية إلى هم دائم ومعارك مُتواصلة، وعدم ارتياح نفسي فإنَّ الحل الوحيد هو الانفصال والطلاق؛ ولذلك قال الله تعالى: (وإن يتفرقا يغنِ الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً).

ومع حصول الطلاق والفرقة بين الزوجين فإنَّ تعامل النَّاس مع مرحلة ما بعد الطلاق يختلف باختلاف ثقافة الزوجين ومقدار خوفهما ومراقبتهما لله تعالى؛ فنجد بعض الأزواج لا يذكرون معروفاً ولا إحساناً من الطرف الآخر، وقد ينفلت اللسان بالبغض والكره على من كان زوجاً له في يوم من الأيام، فتراه يهمز في عرضه ويلمز في خلقه ولا يذكره إلا بالسوء والفحشاء؛ وقد يستعدي عليه فيحاول أن يُحيك الدسائس والمؤامرات للنيل والانتقام منه، وإن كان هناك أطفال فإنِّه ينالهم من شرر تلك الخصومة الشيء الكثير فيحاول أحدهما منعهم من زيارة الطرف الآخر ويختلق لذلك الكثير من العلل والأسباب حتى تشوه صورته أمام أبنائه، وقد يسعى بعض المطلقين الذين جفت منابع الأخلاق في نفوسهم إلى تعطيل زواج مطلقته بعد ذلك بشتى الوسائل والحيل وذلك من خلال تشويه صورتها والقدح في أخلاقها وسيرتها ورميها بمختلف الأوصاف القذرة حتى ينفر منها طالبو الزواج، وذلك من خلال الترويج للأكاذيب واختلاق القصص المكذوبة لتصبح سيرتها السيئة معروفة مُتداولة بين الناس وهو ما يُؤدي إلى الفتن والعداوات بين النّاس.

ولحديثنا بقية نكمله في لقائنا القادم بعون الله..

تعليق عبر الفيس بوك