يوسف عوض العازمي
alzmi969@
"لم يكن مُحمد نبياً عادياً، بل استحقَّ بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء لأنَّه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، نبي ليس عادياً من يُقسم أنَّه لوسرقت فاطمة ابنته لقطع يدها، ولو أنَّ المُسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مُسلما". كليمان هوارت.
في الأيام الماضية ثار جدل كبير، وارتفعت خطابات الكراهية إلى سقف غير مقبول، وكان اللافت هو تعاطي الرئاسة الفرنسية المُؤسف مع ما جرى، وكان الأجدر بالرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أن يتحلى بمزيدٍ من الحكمة وبُعد النَّظر إزاء الأحداث المنبوذة أخلاقياً وقانونياً ولا تقبلها جميع الأديان والشرائع، إنما حين يقوم الرئيس ماكرون بالتَّعاطى مع الأحداث بطريقة صب الزيت على النَّار فإنَّه يزيد الوضع اشتعالاً ويساهم في تأجيج الوضع خاصة بوجود متطرفين غير عقلاء !
يقول المثل من يزرع الريح يجني العاصفة، إذ حدثت جريمة مروعة قام فيها أحد المُتطرفين بنحر مُدرس أمام طلبته، في شكل دموي يستنكره كل عاقل ومحب للسلام، ولاعذر لهذا التصرف الأرعن، لكن حين تقوم الرئاسة الفرنسية بالرد بشكل يزيد الوضع كارثية فهنا يحق لنا العتب وانتقاد السيد ماكرون، حتى وإن تملص من ذلك وحاول تبرير ما قال، يحق لنا التساؤل: هل من المعقول والمقبول أن يسمح الرئيس بتعليق لافتات تبث الكراهية ضد الدين الإسلامي والنبي محمد صلى الله عليه وسلم على واجهات بنايات كبيرة وفي وجود عدد كبير من المسلمين في فرنسا يقدر بأكثر من 6 ملايين مسلم؟
هل هذا تصرف حكيم؟
يفترض تطبيق القانون وعلى الجميع ودون النظر لفكر الشخص أوانتماءاته العرقية، إنما وفق القانون وليس بالتجاوب مع جريمة ببث والسماح بخطابات مقززة وفيها تعدٍ واضح على الإسلام ورسول الله!
هل يعرف الرئيس الفرنسي من هو محمد صلى الله عليه وسلم، هل يعرف إنسانيته وهل قرأ عن سيرته المجيدة؟
سأذكر لمحة سريعة عن هذا النبي الكريم، ففي السنة الثامنة من الهجرة، نصر الله عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم على كفار قريش، ودخل صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة فاتحاً منتصراً، وأمام الكعبة المشرفة وقف جميع أهل مكة، وقد امتلأت قلوبهم رعباً وهلعاً، يفكرون فيما سيفعله معهم رسول الله بعد أن تمكن منهم، ونصره الله عليهم، وهم الذين آذوه، وأهالوا التراب على رأسه الشريف وهو ساجد، وحاصروه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر، وتآمروا عليه بالقتل، وعذبوا أصحابه وسلبوا أموالهم وديارهم، وأجلوهم عن بلادهم.
لكنه صاحب الأخلاق النبوية قابل كل الإساءات بالعفو والصفح والحلم، قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وجاء عند البيهقي أنَّه عليه الصلاة والسلام قال: "أقول لكم كما قال يوسف لأخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم".
هل من يقوم بالتصرف بهذه المبادئ السامية المحبة للسلام يستحق الرسومات الكاريكاتيرية المُسيئة، هل لأجل شخص مُتطرف غير سوي يتم السماح بالإساءة لدين سماوي يدين به أكثر من مليار ونصف المليار مسلم؟
يقول المُفكر السعودي عبدالله الغذامي في إحدى تغريداته الأخيرة في تويتر: التطرف هو التطرف مهما كانت صيغته وعنوانه، وكل خطاب كراهية هو تطرف، وكل حكم على ثقافة أو دين بسبب سلوك أفراده فهو تطرف، وكل خطاب يجعل الشباب يتهورون فهو تطرف، وكل تبرير لخطاب مُتطرف أو خطاب كراهية فهو تسويق للتطرف!
مثلما ذكرت ببداية المقال الخطأ غير مقبول من أي شخص، وفرنسا العلمانية التي نشرت مبادئ الثورة الفرنسية الراقية في العالم أجمع، وأصبحت مثالاً يحتذى للتعايش بين الأديان وعدم التفرقة بين أي فرنسي مهما كانت ديانته، وأتذكر أني قبل سنوات قابلت مسلمين في فرنسا يعتزون بفرنسيتهم وبفرانكوفونيتهم، ويعتبرون فرنسا هي المكان الأفضل للعيش بسلام تحت رداء القانون الذي يتعامل مع الجميع كأسنان المشط..
ما الذي تغير سيد ماكرون؟!