حسدٌ أم أقدار؟!

مدرين المكتومية

دائماً ما تتسبب الغيبيات في لجوء الإنسان إلى تفسيرات غير مادية، فمثلاً يميل الكثير من الأفراد في المجتمع إلى تفسيرات غير طبيعية للعديد من الأحداث الغامضة أو الظواهر غير الاعتيادية أو الحوادث الطارئة، إذ يلقون باللائمة على الحسد أو "العين" تهرباً من مسؤولياتهم في القيام بواجباتهم أو حتى الإيمان بالأقدار!!

لا ننكر بلا شك الحسد، لكن علينا ألا نلقي فشلنا وتخاذلنا وكسلنا وكل شيء دائماً في حياتنا عليه، فمن المُلاحظ ميل البعض للتخلي عن المسؤولية بإلقاء كل ما يصيبه على ظاهرة غيبية مثل الحسد، فعلى سبيل المثال إذا فشل طالب في نتائج دبلوم التعليم العام، يرمي الفشل الدراسي على حسد أحدهم حتى يُخفف عن نفسه، وإذا تعرَّض إنسان لأمراض مُستمرة ألقى باللوم على الحسد والحقد، وكأنَّ كل شيء مرتبط بالآخرين، وليس مرتبطاً بوقائع وأحوال وأقدار كل فرد، وإن وجد ذلك فهو لا يُمكن أن يسيطر على عوالمنا بأكملها، أو أن يتلاعب بكافة تصرفاتنا.

كثير من الظواهر التي نشهدها في مجتمعنا، والكثير من الناس يفسر أو يبرر الأخطاء التي يرتكبها والتي من المفترض أن يتحمل مسؤوليتها سواء كانت سرعة أو تهوراً أو سرقة على أنها ليست من فعله أو برغبة داخلية، وأنه لم يكن كذلك وأن هناك شيئاً ما لا يعلم ما هو يدفعه لكل هذه الأشياء، فعلى سبيل المثال أن يشتري أحدهم سيارة فارهة ويقوم بقيادتها على سرعة 120 في مفترقات طرق، وعند حدوث حادث فإنَّ الأمر بالنسبة له سيكون ليس بسبب السرعة وإنما الحسد!! وطفل ولد أساسًا بمرض معين، لا يكون السبب هو المرض وإنما الحسد من وجهة نظر والديه... وغيرها من الأمثلة التي لا يُمكن أن نحصي عددها، ولكن كم من هذه الأشياء هي بمثابة التنصل من المسؤولية كاملة عن كل فعل نقوم به، ففي المُقابل هناك أيضاً مقولة "لكل فعل رد فعل" وما نفعله في النهاية سنجني ثماره وليس هنالك أي يد وحسد وغل في أكثر الحوادث التي تمر علينا.

هناك الكثير من الأشخاص في هذه الحياة دائماً ما يختارون الطريق الأسهل بالطبع لإلقاء مشاكلهم عليها، أو فشلهم، أو حتى شعورهم تجاه الأشياء بالبؤس لتكون الأقل وطأة من تخيلهم أن ذلك يعود بسبب تراخيهم أو تخاذلهم أو ربما استهتارهم في كثير من الأحداث والمواقف، هؤلاء الأشخاص لم يتدربوا أبدا على تقبل ما يمكن أن يحدث، لذلك هم يبحثون دائمًا عن أسباب لا حقيقة لوجودها ليلقوا على عاتقها دمار حياتهم وما حدث وسيحدث لهم جراء ذلك التَّخاذل.

إنَّ الحل الأمثل هو ضرورة تحمل كل فرد لمسؤوليته الخاصة، وأن يفكر، ويُقرر بصورة صحيحة، فهو من اختار هذا الطريق، وهو من اختار السرعة والتهور، وهو من اختار الاستقالة عن عمله، صحيح أنَّ هناك قدر في كل خطوة نخطوها، لكن نحن من نصنع أقدارنا بمشيئة الله، ولذا على كل شخص تحمل مسؤوليته كاملة دون إلقائها على الآخرين أو التنصل منها في هروب من الواقع ورفض للأقدار.