ترجمة - رنا عبدالحكيم
يرصُد المؤلف والسياسي البريطاني إدموند فوسيت في كتابه "التيار المحافظ.. معركة حماية التقاليد" -وبأسلوب جديد ونظرة ثاقبة- تاريخ الحركة السياسية المحافظة من جذورها التي نشأت في القرن التاسع عشر، وإلى ما وصلت إليه من فكر يميني متطرف.
مؤلف الكتاب
فعلى مدى مئتي عام، تحدَّى التيار المحافظ سمعته السيئة باعتباره "عقيدة متخلفة"؛ وذلك من خلال مواجهة الحداثة الليبرالية والتكيف معها. وبفضل هذا الأسلوب، حكم التيار اليميني لفترات طويلة، وأصبح فعليًّا التيار المهيمن في السياسة الغربية. ومع ذلك، وعلى الرغم من نجاحهم، استمر المحافظون في قتال بعضهم البعض حول مدى التنازل عن قيم الليبرالية والديمقراطية، أو أي القيم يجب الدفاع عنها وكيف.
وفي كتاب "التيار المحافظ"، يقدم فوسيت وصفًا مؤثرًا لهذا التاريخ المتضارب، ويوضح الأفكار الرئيسية، ويبرز الخلافات داخل اليمين التي ما زالت قائمة إلى اليوم.
ومع التركيز على الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، يغطي فوسيت بسرد نابض بالحياة مسيرة المفكرين والسياسيين المحافظين، ومن بينهم رواد التيار المحافظ: جيمس ماديسون، وإدموند بيرك، وجوزيف دي مايستر، والذين يعتبرهم الأصدقاء والأعداء الأوائل للرأسمالية والمدافعون عن الدين. كما يسلط الضوء على مؤسسي الأحزاب السياسية الحديثة، مثل ويليام ماكينلي واللورد سالزبوري. ويؤرخ الكتاب أيضا لمسيرة المثقفين النقاد والراديكاليين المخربين (الأناركيين) في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كما يكشف كيف حطم دعاة اقتصاد عدم التدخل إجماع ما بعد العام 1945، ويصف كيف يؤجج دونالد ترامب، وبوريس جونسون، ونظرائهم الأوروبيين، النزعة المحافظة نحو شعار ومبدأ "الأمة أولاً".
والكتاب عبارة عن رصد تاريخي شيق لأصول التيار اليميني، وإبراز لتقليد فكري في حالة حرب مع نفسه كما هو الحال مع خصومه.
ويرى فوسيت أنَّ المدرسة المحافظة العملية ذات النزعة المساوِمة والتي انتهجها في الماضي رؤساء الوزراء ورؤساء الدول، سعت إلى تبني تناقضاتها بدلاً من الانحياز إلى جانب محدد، وبذلك أصبحت القوة المهيمنة في الحكم بالدول الغربية. وعلى الرغم من وضع أنفسهم في البداية كقوة معارضة في بعض البلدان، إلا أن المحافظين مارسوا نفوذًا أكبر من سلطة الليبراليين أو الاشتراكيين مجتمعين. فلدى المحافظين سجل مرموق في الإصلاحات الاجتماعية التي يهوى الليبراليون الاعتقاد بأنها حكرا عليهم. ويعد تمديد حق الانتخاب في بريطانيا مثالًا جيدًا على المساومة على النزعة المحافظة؛ فقد أمضى المحافظون البريطانيون جزءًا كبيرًا من القرن التاسع عشر في الدفاع عن القيود المفروضة على حق التصويت، قبل مضاعفة عدد الناخبين في العام 1867، والمضي قدمًا في الفوز بستة من عشرة انتخابات عامة بموجب القواعد الجديدة.
ويعتقد المؤلف أن التيار المحافظ يحمل تاريخ أكثر قتامة، مستشهدا بالمرحلة التي شهدت بزوغ نجم المفكر الفرنسي جوزيف دي ميستر وأعدائه للثورة في الدول الفرانكفونية (الناطقة بالفرنسية)، والحجج المؤيدة للعبودية التي أدلى بها جون سي كالهون في مجلس الشيوخ الأمريكي، والمحافظون في القرن العشرين في فرنسا وألمانيا الذين فشلوا في الدفاع عن الديمقراطية، مما سمح للفاشيين بالانتشار في أنحاء أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي.
ويشير المؤلف إلى أن التيار المحافظ بعد تأثره بهذه التجربة، ومساعدته في حجب الخيارات الراديكالية التي أغرت بعض أتباعه قبل الحرب العالمية الثانية، تمتع هذا التيار بأعظم فترة نفوذ له، والتي بدأت منذ عام 1945 واستمرت حتى وقت قريب جدًّا.
لكنَّ التيار المحافظ يمر الآن بمشكلة أخرى؛ إذ يشعُر معظم المفكرين البارزين في الولايات المتحدة بـ"اليتم" بسبب حركة ساعدوا في تأسيسها؛ إذ جرى الاستيلاء على التيار المحافظ باعتباره "علامة تجارية سياسية" من أشخاص؛ مثل: فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر ومارين لوبان (زعيمة يمينية فرنسية متطرفة) والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويرى معلقون على هذا الكتاب أن هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، من شأنها أن توفر فرصة أخرى لتجديد الأيديولوجية المحافظة المرنة، من خلال التفكير الجدي فيما يستحق التمسك به وما يجب التخلي عنه، ومن ثم تقديم تنازلات.