الإفصاح هو نصف الحل

 

علي بن سالم كفيتان

لم يتوقع أفضل المُتشائمين أن تمر بلادنا بهذا المُنعطف الاقتصادي والسياسي الذي يعصف بنا منذ بداية عام 2020؛ فقد اختلط الحزن بالأمل في يناير، إلا أنَّ كورونا لم يمهلنا كثيراً وعمقت أسعار النفط الجراح لنستفيق على واقع جديد لم يكن مثالياً لسُلطان جديد وشعب يتلمس مُعالجات سريعة كسرعة البرق، فقد فتحت كل الجبهات على الوزراء الجُدد حتى قبل استلامهم لمهامهم وتوقع خططهم بناءً على مواقفهم السابقة في حين أن الواقع فرض مُعطيات جديدة لا تمت لذلك الماضي بصلة.

غير أنَّ البعض لا زال مصراً على البقاء في تلك الحقبة التي لم تعد موجودة؛ فالأوضاع السياسية انقلبت رأساً على عقب ولا يُمكننا العمل وفق ذات المسار السياسي، نعم بإمكاننا البناء عليه وليس استنساخه لذلك عانينا من خمول وترقب سياسي استطاعت البلاد من خلاله البقاء خارج دائرة التطبيع على الأقل حتى ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية التي يُمكن أن تفرض واقعاً جديداً في حال فوز الديمقراطيين، فقد تنصلت الإدارة الأمريكية الحالية من التوازنات التي سعت لها السلطنة لإرساء الأمن والاستقرار في منطقة الخليج عبر اتفاق (5+ 1) مع جمهورية إيران الإسلامية، لذلك نحن نترقب التغيير في البيت الأبيض.

ومن الناحية الاقتصادية فقد كان لافتاً إعلان السلطنة الموقف المالي الصعب والتصنيف الائتماني العالمي في ظل تنامي المديونية الخارجية والداخلية وزيادة العجز المالي بشكل مضطرد مما أصاب الكثيرين بخيبة أمل، لكن الاعتراف بالمُشكلة وإعلانها هو جزء من الحل، مهما كان ذلك صادماً وينذر باتخاذ سياسات مالية قد توصف بأنها مؤلمة أحياناً عبر تطبيق ضريبة القيمة الانتقائية ومن ثمَّ المضافة، ونتوقع إضافة الضريبة على الدخل قريباً ورفع الدعم عن الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه بشكل تدريجي، كما تمَّ اتباعه في عملية رفع الدعم عن المشتقات النفطية.

ولكي لا نكون حالمين أكثر من اللازم ينبغي علينا تقبل هذه السياسات لكي نستطيع الخروج من عُنق الزجاجة، كما إن مبدأ المناداة بنصب المُحاكمات نتوقع أنه لم يحن وقته بعد؛ فالبلد في أمسَّ الحاجة لكسب ثقة رأس المال ومهادنة أصحابه بحيث نضمن عدم رحيل المتبقي منها، فمن يرى أنَّ رجال أعمال منحوا مكاسب سياسية خلال التشكيلة الجديدة لمجلس الوزراء لم يقرأوا الصورة الكاملة التي تقول إنَّ تمكين رأس المال وتوطينه في البلاد سيعمل على التعافي المبكر للاقتصاد إذا ما قارنا ذلك بمعاداة أصحاب رؤوس الأموال وتقليص فرص الاستثمار الخارجي رغم اقتناعنا بأنَّ هذه الفئة لم تسهم بالشكل الكافي أثناء الأزمة إلا أنَّ إعادة بناء الثقة المالية مصلحة وطنية عُليا.

يُذكر بعض المقربين من دوائر اتخاذ القرار أنَّ التوجهات الحالية تقود لتعافٍ مالي على المدى المتوسط مع إعادة النظر في الحسابات والاتفاقيات التي ربما كانت مُجحفة وخاصة في مجال تسعير الموارد الطبيعية ومنها النفط والغاز؛ فقيمة صفقات بيع الغاز كانت غير مرضية وقد نحتاج لتوطين هذه الصناعة بحيث نتجنب ضغوط الشركات الأجنبية التي تحصل على نسب مالية معينة من الإنتاج مُقابل عمليات الاستكشاف والحفر في مناطق الامتياز، فلم يعد مقبولاً بعد 50 عاماً من المسيرة الوطنية أن يتم الاعتماد على الشركات العابرة للقارات لاستخراج ثرواتنا الطبيعية مقابل استقطاع جزء من ثرواتنا، ونحن هنا ندرك أنَّ عمليات الاستكشاف والحفر تتطلب توفير أموال وتقنيات حديثة وكوادر بشرية مدربة، لكننا على يقين بأنَّ العُمانيين قادرون على القيام بتلك الأعمال خلال المرحلة المُقبلة إذا ما تولدت لدينا القناعة الكافية. والأمر ذاته ينطبق على جميع الثروات الأخرى ومنها المعدنية التي يتم استنزافها وتصديرها كمواد خام أولية بأسعار بخسة.

وكما كان التصريح واضحاً عن الوضع المالي والاقتصادي الصعب فيجب كذلك التصريح وبنفس الشفافية والمصداقية عن حجم الواردات المالية وكيفية تصريفها، فلا يستقيم الإفصاح عن أحد المتغيرين وترك الآخر على نفس الأرقام الدارجة. فمقابل السياسات التصحيحية يتوقع الشارع وجود تحسن ولو طفيفاً في الميزان المالي، وهنا يجدر بنا عدم الضغط في اتجاه واحد بل في كلا الاتجاهين معاً بحيث نضمن تجاوب المجتمع مع هذه المتغيرات، فمقابل التقاعد المبكر يكون التوظيف، ومقابل زيادة الضرائب يكون تجويد الخدمات، ومقابل ترشيد الإنفاق يكون تراجع الدين العام وتحسن المستوى الائتماني للبلد، فالإفصاح عن المُعضلة نصف الحل والعلاج يكمن في التوزيع العادل والشفاف للدخل.