◄ القائمون على العملية التعليمية سعوا منذ بدء الجائحة لتوفير أفضل الحلول
◄ نظام "منظرة" نموذج فريد للإبداع العُماني ويضرب بعمق في جذور الثقافة المحلية
◄ مهمة كبرى أمام الجميع لتنشئة جيل يواجه خطرا يهدد مسيرة الإنسانية
حاتم الطائي
مع شروق شمس أول أيام نوفمبر المجيد، يبدأ 676943 طالبا وطالبة عامهم الدراسي الجديد، عام "التعليم المُدمج"، وبالأحرى عام التعليم عن بُعد، ولن نقول العام الدراسي الاستثنائي، بل إنِّه العام الدراسي الطبيعي للغاية في ظل الظروف التي غيَّرت وجه العالم، ونقلت الحضارة الإنسانية إلى مرحلة غير مسبوقة من معركتها ضد ما يُفرض عليها من تحديات وصعاب، ولا شك أنَّ أكبر تحدٍ يواجهنا اليوم هو فيروس كورونا، الذي لا يبدو أنَّه سيرحل عنَّا بسهولة كما توقعنا في البداية.
تنطلق اليوم مدارسنا بسواعد 56613 معلماً ومعلمة و11325 إدارياً وفنياً، لكي تؤدي أمانتها الوطنية والإنسانية تجاه طلابنا وطالباتنا، عبر نظام تعليمي يدمج في أغلبه بين التعليم عن بُعد، والتعليم المُباشر وفق نسب وكثافات حددتها وزارة التربية والتعليم، لضمان تقديم تعليم آمن ومُفيد لكل طالب وطالبة. فقد فرض تفشي وباء كورونا الكثير من التحديات، ليس فقط على نظام التعليم، بل على مُختلف القطاعات والمجالات، وفي ظل ما يُعانيه العالم والسلطنة من ضغوط ناتجة عن هذا الوباء، سعى القائمون على العملية التعليمية منذ بدء الجائحة إلى بحث أفضل الحلول وتطبيق أنجع البدائل لتوفير منظومة تعليمية تُواكب المتغيرات وتتفاعل معها. لا ننكر أنَّ الجميع حول العالم تعرض لتحديات عدة في تطبيق نظام تعليمي يحمي الطلاب من خطر الإصابة بالفيروس، فلجأ البعض إلى التعليم عبر الإنترنت، ومن خلال وسائل التقنية الحديثة، بإمكانيات محدودة وبسيطة، فيما لجأ آخرون إلى البرامج التعليمية عبر القنوات التلفزيونية أو مقاطع الفيديو، وغيرها من الحلول التي بدا أنها وليدة اللحظة ودون تخطيط مُسبق أو إدارة مُتكاملة.
لكن يُشهد لوزارة التربية والتعليم أنها سعت منذ اليوم الأول للجائحة إلى البحث عن الحلول، ولجأت في بداية الأمر- كغيرها في دول العالم- إلى الحلول المُؤقتة غير المعقدة؛ مثل يوتيوب أو تطبيقات المُراسلة مثل "واتساب"، وغيرها، فلم يكن طلابنا ولا مُعلمونا على دراية ولو بنسبة 20% بمسألة التعليم عن بعد، الأمر الذي دفع الوزارة إلى البدء في جهود دؤوبة لإنتاج منظومة وطنية للتعليم عن بُعد، وقد نجحت في ذلك في غضون أشهر قليلة، وبفضل كفاءات وطنية تفتقت أذهان القائمين على تقنية المعلومات في الوزارة عن بناء نظام إلكتروني عُماني 100% لتقديم التعليم عن بُعد في صورته الحضارية المتطورة.
هذا النظام الجديد الذي يحمل اسم "منظرة" نموذج فريد للإبداع العُماني، بدءًا من الاسم الذي يضرب بعمق في جذور الثقافة المحلية، فالمنظرة هي تلك المساحة المُخصصة في المنزل لاستقبال الضيوف، وهي أيضاً المرآة- باللهجة المحلية- التي لا يخلو أي بيت منها، في دلالة على أنَّ هذا النظام "منظرة" بمثابة المكان المخصص الذي تستقبل فيه الوزارة أبناءها، وهي مرآة للطالب ولولي الأمر والمُعلم، لكي يستطيع كل فردٍ منهم النَّظر في سير العملية التعليمية وإبداء رأيه عبر خدمة التعليقات أو الدردشة وغيرها من الأدوات التي يوفرها النظام.
النظام يُمثل ثورة غير مسبوقة في برمجيات وتطبيقات التعليم عن بُعد، ليس فقط لأنه إنتاج عُماني بامتياز، بل بفضل ما يتضمنه من خيارات تفاعلية، وطبيعة تشاركية بين المعلم والطالب وولي الأمر. وما يُميز هذا النظام أنه يرتكز على تلك المعادلة الثلاثية (المعلم- الطالب- ولي الأمر)، فلكل طرف فيهم مدخل إلى النظام، فبضغطة زر واحدة يستطيع المعلم أن يتعرف على نسبة الحضور والغياب، بل ونسبة مشاركة الطالب وتفاعله خلال الحصة الدراسية الإلكترونية، والطالب نفسه يُمكنه التعليق على ما يشرحه المعلم، بل والتعليق على زميله إذا أراد، وفق ضوابط مُحددة لضمان استخدام النظام بصورة إيجابية. أما ولي الأمر فبإمكانه مُتابعة ما يقوم به ابنه/ ابنته خلال اليوم الدراسي، ومعرفة مستوى تفاعله وتقدمه دراسياً، والتواصل كذلك مع المعلم بسهولة تامة.
إننا أمام نظام للتعليم عن بُعد أشبه إلى حدٍ كبيرٍ بمنصة تواصل اجتماعي، لكنها في حقيقة الأمر منصة تواصل تعليمي، ومنظومة متعددة الأطراف والمهام، متطورة، توظف الذكاء الاصطناعي والعمليات الحاسوبية لتقديم إحصائيات لحظية في صورة رسوم بيانية، مثل عدد الحضور والغياب ومؤشرات أداء الطلاب، بل ومدى نجاح المعلم في تعليم طلابه.
هذا النظام يُوازي- إن لم يكن أفضل من- نظام "جوجل كلاس روم" وهو تطبيق الفصول الدراسية الذي أطلقته شركة جوجل العملاقة لمنظومة التعليم عن بُعد. ونظراً لضيق الوقت أمام الفريق التقني بوزارة التربية والتعليم، تقرر اعتماد نظام "منظرة" للصفوف من الأول إلى الرابع، بينما تتلقى الصفوف الأخرى تعليمها من خلال نظام "جوجل كلاس روم"، ولا يُخالطني شك في أنَّ المرحلة المُقبلة ستشهد تطويرا لنظام "منظرة" لكي يكون النظام العماني المتكامل لجميع الطلاب في السلطنة.
لقد علمتنا محنة كورونا أنَّه من السهل تجاوز التحديات، وتخطي العقبات، إذا ما تسلحنا بالإرادة والعزيمة، وإذا ما قمنا بمسؤولياتنا تجاه أنفسنا وتجاه وطننا.. علمتنا التجربة أنَّ الظروف الضاغطة تمثل أفضل الأوقات لكي نُبدع ونُنتج بكفاءة وفق أعلى المستويات..
وختاماً.. أوجه حديثي لكل مُعلم وطالب وولي أمر، وأقول لهم إنَّ مهمة وطنية كبرى تقع على عاتقكم، إنِّها مهمة تنشئة جيل وجد نفسه فجأة أمام تحدٍ يُهدد مسيرة الإنسانية، لكنكم بالإيمان واليقين قادرون على استحضار روح العماني المُثابر الذي تحدى قسوة التضاريس وشظف العيش وأسس قديماً حضارة تركت بصمة جلية بين حضارات العالم القديم.. أنتم يا أحفاد النواخذة تملكون الإرادة الصلبة لشق أفلاج المعرفة الحديثة وتشييد قلاع العلم في القرن الحادي والعشرين، تتحلون بالنباهة والفهم لكي تُصيغوا نموذجكم الخاص في الثورة الصناعية الرابعة.. فكونوا لها واستعينوا بالله على تعليمكم وسيكون النصر حليفكم بإذنه تعالى.